ترتبط الخرافات بتراث وعادات المجتمع، وتدخل في بنيته الجمعية لتشكل حالة من الخوف أو الطرافة والاستهجان، دون محاكاتها على أسس علمية أو منطقية، وغالباً ما يتم اللجوء إليها واستخدامها بحكم العادة لا من قبيل القناعة، وبالرغم من التقدم العلمي ودحض معظم هذه الخرافات، إلا أنه لا يزال بعض الأشخاص يعيشون في بوتقتها ويعتقدون بتأثيرها على حياتهم ومصائرهم.
أم غالب (من ريف حلب الشمالي) وجدت نفسها تركن لواحدة من هذه الخرافات بعد أن مات معظم أطفالها دون سن البلوغ، تقول “إنها أنجبت ثلاثة عشر طفلاً جميعهم مات باستثناء طفل واحد”.
وعن تجربتها تروي أم غالب إنها وبعد موت طفلها الثامن لجأت إلى أحد العرافين في المنطقة لمعرفة سبب وفاة أطفالها، والذي أخبرها بضرورة تسمية أطفالها بأسماء الوحوش ليمتلكوا القوة على البقاء، وهو ما قامت به السيدة فسمت أطفالها بـ (نمر وديب وديبة وأسد)، إلّا أنهم ماتوا كأخوتهم السابقين، باستثناء ديب الذي ما زال على قيد الحياة.
لم تقتنع أم غالب وأخواتها بالسبب الذي حدده الأطباء كسبب للوفاة، وهو “زواجها من ابن عمها”، بل أرجعت سبب موتهم إلى “العين وحسد الناس”، على حد قولها، أما أختها أنصاف فتقول “إن الأطباء ليس لديهم همّ سوى جمع المال وبيع الدواء، فهي وأختها الأخرى زينب متزوجات أيضاً من أبناء عمومتهن، فلماذا لم يحصل لهن ما حصل لأم غالب؟”.
وفي اعتقاد آخر يسود مناطق في ريف إدلب تلجأ النساء إلى “رام = بحيرة ماء من مياه المطر” وتذبح بالقرب منه “دجاجة سوداء” لضريح رجل صالح يقال إنه موجود بالقرب من مياه الرام، وذلك ليشفي أطفالهن من “اليرقان”، أو “أبو صفار” كما يطلق عليه الأهالي، مؤكدين شفاء الكثير من الأطفال نتيجة لذلك.
ويردّ الطبيب محمد خير عرنوس (طبيب جراحة يعمل في مشفى إدلب الوطني) عن كلتا الحالتين بأنه “لا أصل للتابعة التي يعتقد الناس أنها جنية تقتل الذكور، وما حدث مع أم غالب يتوافق مع حالات من زواج الأقارب التي قد تؤدي إلى بعض التشوهات وانتقال لبعض الأمراض التي قد تؤدي إلى الموت” مؤكداً أن “هناك عدة أسباب للإجهاض عند المرأة قد تكون مناعية أو جرثومية أو تشريحية أو لأسباب تتعلق بتنافر زمرة الدم”، معتبراً أن نسبها لهذه الخرافات ما هو إلى دليل “جهل”.
أما بالنسبة لما يسميه الناس بـ “أبو صفار” فهو مرض اليرقان وهو ثلاثة أنواع (يرقان فيزيولوجي وانحلالي ووراثي) ويكون الأخير قاتلاً في الغالب، أمّا الفيزيولوجي فهو غالباً ما يرافق الطفل في أيام ولادته الأولى ويتلاشى تلقائياً لكن بعض الناس يلجأ إلى تعليق خاتم ذهبي أو نبات الثوم برقبة الطفل، ومع تلاشي المرض يتنامى الاعتقاد بجدوى مثل هذه الأشياء”.
ويضيف الدكتور العرنوس إن “الرقى الشرعية واردة وموجودة، ولكن التمائم لا تفيد الانسان في شيء، وما روّج لهذه الخرافات والبدع هو الجهل وقلة الوعي الديني والعلمي معاً”.
وللأعراس في ريف إدلب خرافاتها المتوارثة أيضاً، كأن تقوم العروس بلصق عجينة فوق باب غرفتها قبل أن تدخلها للمرة الأولى، ويعد نجاحها بهذه التجربة “فألاً حسناً”، أما فشلها فيعني بحسب العادة “أنها ستغادر بيت الزوجية باكراً”. كما يعدّ كسر العروس لكأس زجاجية أو صحناً قبل دخولها إلى بيت زوجها واحدة من الطقوس التي تعني “كسر الشر ومنعه من الدخول معها في حياتها”.
وعن هذا الموضوع تقول الحاجة صبحية (62 عاماً) من بلدة معرة حرمة “إن هذه العادات صحيحة ومتوازنة وأنها تتذكر منذ أكثر من خمسين سنة أن أخاها الأكبر الحاج حسين قد تزوج أول مرة ولم تلصق عجينة زوجته رغم محاولة عروسه لصقها ثلاث مرات، وأنها لم تعش معه سوى أشهر ثم تم الطلاق، أمّا زوجته الثانية فقد لصقت عجينتها منذ أول مرة وعاشت مع زوجها حتى ماتت”.
تضحك أم خالد (الحاصلة على إجازة في الاقتصاد) وهي تشرح لنا “أن العجينة الجافة يصعب لصقها على حائط طيني بينما تلصق العجينة الأكثر رطوبة”.
يصعب على أم خالد الاقتناع بالفأل الحسن لهذه الخرافة، وتقول إنها نفسها قامت بهذا الأمر من “باب الدعابة”، وأن عجينتها كانت “شبه يابسة ولم تلصق على الحائط”، واصفة حياتها بـ “السعيدة برفقة زوجها وأطفالها غير آبهة بأمر العجينة”.
مصطفى السلوم إمام مسجد في بلدة معرة حرمة بريف إدلب الجنوبي يقول إن “هناك الكثير من العادات والمفاهيم الخاطئة والتي تعتبر من البدع، مثل ذبح دجاجة سوداء في مكان معين والتغسيل بمائها مثل مياه (رام الجوخي) بغرض الشفاء، فهذا لا يجوز إلا إن كانت التربة والماء نفسه يحوي مواداً كبريتية ومعادن (كحمّام الشيخ عيسى) مثلاً والذي يفيد في علاج بعض أمراض الأعصاب والروماتيزم والأمراض الجلدية، أمّا بالنسبة للتابعة فهي حقيقية وهي ما تسمى “أم البنين أو أم الصبيان أو أم ملدن” وهي تؤذي الجنين وعلاجها بالرقى الشرعية فقط، كما يعتبر تسمية بعض الأطفال بأسماء الوحوش بهدف أن يعيشوا شرك بالله”.
وتتشارك شعوب العالم في بعض الخرافات والبدع كالتشاؤم من الرقم (13) أو يوم الثلاثاء أو شهر كذا، أو رؤية خيال شخصية مشهورة على وجه القمر أو في كوب الماء.
وعن هذا الموضوع يحدثنا الأستاذ سعيد عزّ الدين (أخصائي صحة نفسية وأمراض عقلية) “هذه المعتقدات ليست مرضاً نفسياً إن لم تكن متدهورة، بل هي حالة نفسية تدعى “Apophenia” وهو “الاستسقاط” أو خطأ التطور وهي تجربة إنسانية تتعلق باستسقاط الأرقام كالتشاؤم من رقم (13) أو غيره، وهناك نوع آخر هو الاستسقاط البصري ويدعى “Pareidolia” كتصور خيالي لمنظر غيمة تشكلت بشكل ما بدافع الهواء والرياح والجاذبية أو تخيل صورة شخص في القمر أو غيرها، لكن هذه الحالات لا تعتبر مرضاً في حال كان الانسان يمارس حياته الطبيعية”.