تراقب زينب ذات الخمسة وأربعين عاماً طفلتها حسناء، والتي تنتظر زواجها من ابن عمها الذي “جيّرها” والده، بالكثير من الحسرة والحزن، تقول زينب إنها خاضت هذه التجربة سابقاً، ووصفتها بـ “القاسية” لعدم تمكنها من اختيار شريك حياتها، في حين ترفض حسناء الفكرة رفضاً قاطعاً، تقول إن مشاعرها تجاه ابن عمها تشبه ما تكنه لأخيها، فلماذا تجبر على الزواج منه؟
والتجيير يكون بفرض زواج الفتاة من ابن عمها الذي يصبح صاحب الحق في الزواج منها، يقول فردوس حسن (50عاماً من سهل الغاب بريف حماه) إن الأعراف التي نشؤوا عليها تقضي بأن يستشير والد الفتاة جدها وأعمامها فيما إن كان أحد أبنائهم يرغب بالزواج من ابنته، فإن حصل ذلك “يلغى حق الفتاة بالاختيار ويصبح الأمر منوطاً بابن العم صاحب الحق الأول والأخير بالزواج”.
وتتوافق نظرة الرجال والنساء لخطورة التجيير ومخالفته للتشريع والقانون، إضافة لما يحمله من آثار سلبية سواء على الصعيد الصحي أو النفسي، وما يترتب عليه من خلل في بناء الأسرة وتكوينها، إلّا أن فردوس يرى أنه “ليس بالضرورة أن يحمل التجيير آثاراً سلبية في جميع الأوقات، خاصة إن كانت الفتاة راغبة بالزواج من ابن عمها بكامل إرادتها”.
وهو ما يخالفه (أبو وحيد من ريف إدلب) والذي يرى أن الزواج الذي يبنى على أساس التجيير لا يحمل إلا آثاراً سلبية تنعكس على جميع مناحي الحياة، مستنداً بذلك لما قدمه العلم والدين من دراسات نُصح فيها بالابتعاد عن زواج الأقارب، لما تسببه من أمراض بمرور الزمن، خاصة وأن حالات كثيرة من الأطفال المشوهين أو فاقدي أحد الحواس يرجعها الأطباء اليوم لزواج الأقارب، أما من الناحية النفسية فإخضاع الفتاة وحرمانها من حقها في اختيار شريكها هو أمر مخالف للشرائع والقوانين، ويزيد من الضغوط النفسية عليها ما ينعكس سلباً على حياتها وسلوكها تجاه زوجها وأطفالها، وقد يؤدي إلى الطلاق الذي بحصوله بين الأقارب سيشكل خلافاً حاداً بين الأسرة الواحدة المحكومة بصلة القرابة، وسيزيد من التفكك العائلي.
ولا يقتصر التجيير على الفتيات بسن الزواج، إذ يلحق به عرف قديم يدعى بـ “قص الردان”، وهو بمثابة الإعلان عن طلب يد الفتاة منذ ولادتها، ينشر الخبر في القرية، وتمتنع معظم العائلات عن التقدم لخطبة الفتاة المقصوص ردانها لابن عمها، تقول هند (47 عاماً من ريف إدلب الجنوبي) “إن عمها قص ردانها لولده التي أجبرت على الزواج منه بعد أن امتنع كل شباب القرية من خطبتها، فهي بحكم العرف محجوزة له”.
وينتشر عند بعض العائلات، خاصة في البادية السورية، عرف آخر يطلقون عليه اسم “الرضوة”، وهو مشتق من الترضية، إذ يُفرض على الرجل الغريب الطالب للزواج من قبل أبناء عمومتها مبلغاً من المال، أحياناً تتجاوز قيمته “المهر” للخروج من “طريقها” والسماح له بالزواج منها، يقول عبد الحكيم الأحمد الذي لفت إلى أن أعرافاً وتقاليد كالتجيير والرضوة تنتشر على نطاق واسع في البادية السورية التي تفرض نمطاً ونظاماً يحكم الناس الذين يجبرون على الالتزام به.
ليست الفتيات وحدهنّ ضحايا هذه العادات، خاصة “قص الردان” الذي يتم في عمر الولادة، وتمتد آثاره ولكن بشكل أقل للشبان الذين يجدون أنفسهم أيضاً ضحية قرار آبائهم، وحرمانهم من حق الاختيار، إلّا أن الشبان، غالباً، ما يستطيعون تجاوز هذا القرار ورفضه، في حين لا تستطيع الفتيات ذلك، وهو ما أدى إلى وصول بعضهن إلى أعمار كبيرة دون زواج، بسبب تخلي أبناء عمومتهن عن الزواج ممن “سُمّين على اسمه”، أو وجدن أنفسهن كزوجة ثانية لأبناء عمومتهن دون أن يملكن حق الرفض.
تقول المرشدة النفسية “مريم الحمورة” إن هذه العادات اندثرت بشكل شبه كلي في المدن الكبيرة، وتراجعت خلال السنوات الأخيرة من القرن الحالي في الأرياف، نتيجة انتشار العلم وحملات التوعية، إلّا أنها ما زالت موجودة في عدد من المناطق بحكم عادات البيئة الريفية التي تفرض تأثيرها على العائلات بحكم القرابة والعلاقات الاجتماعية النشطة، مؤكدة على ضرورة “تسليط الضوء وتوعية الأهالي بمخاطر هذه الأعراف وما تنتجه من آثار سلبية”.
لا تزال نساء الأرياف يعشن على هاجس هذه الأعراف، خاصة مع عودة إحياء بعض العادات القديمة التي تشهدها هذه المناطق منذ ما يزيد عن العام، وغياب التوعية والقوانين التي تحدّ من انتشارها.