ساهم الانقسام الحاصل في المجتمع السوري بين مؤيد ومعارض في تفكيك البنية الاجتماعية وصلت حدّ تفكك الأسرة الواحدة، زاد عليها تباين المواقف بين رافض للبقاء في مناطق يحكمها الأسد أو استعاد السيطرة عليها وأخرى تحكمها المعارضة.
ربا (45 عاماً) من الغوطة الشرقية والتي سمعت نبأ زواج زوجها الذي بقي في دمشق، برفقة أولادها الذين يدرسون في الجامعة قالت إنها “طالبت بالطلاق من زوجها بعد سماعها بزواجه، وحصلت عليه”، هي ليست نادمة تقول وتعمل حالياً مديرة لواحدة من المنظمات المدنية في جبل الزاوية بعد أن خرجت من سجون الأسد عبر صفقة لتبادل الأسرى في العام 2014.
تعيش ربا بمفردها، تقول إن زوجها فضّل البقاء في دمشق، “هو منذ البداية كان ضد نشاطها الثوري”، لكن ما يؤلمها حقاً خسارتها لأولادها، وهو ما حدث مع زهراء (31 عاماً) من مدينة كفرنبل بريف إدلب الجنوبي.
تحكي زهراء إنها نزحت إلى مدينتها برفقة زوجها “وهو من أصول حلبية” وأطفالها، نتيجة القصف الشديد الذي شهدته حلب 2013، إلّا أن خلافاً بسيطاً دفع زوجها لمغادرة كفرنبل والعودة بأطفالها إلى مدينة حلب بعد أشهر.
تقول زهراء إن زوجها خيّرها، وبعد عام من مغادرته، بين العودة إليه في حلب أو الطلاق، وإنه قد تزوج من أخرى خلال فترة غيابها، فـ “اختارت الطلاق”، وتعزو سبب خيارها الأخير إلى خلاف جوهري في وجهات النظر بينها وبين زوجها وأمه “المؤيدين للأسد”، وأن مشادات كلامية كثيرة دارت بينهما حيال هذا الأمر، وإنها لن تستطيع المضي قدماً ومجاراة ما تسمع، معتبرة أن الطلاق الذي حصلت عليه “كان بمثابة طوق نجاة”.
لم تحظى زهراء برؤية أطفالها منذ خمس سنوات، ولكنها علمت أن زوجها هاجر بهم إلى تركيا دون أن يخبرها وانقطعت أخبارهم عنها منذ ذلك الوقت.
حالات أخرى كان السبب الرئيسي فيها للطلاق متعلقاً برفض النزوح والبقاء ضمن خيار العائلة، تقول راميا (من قرية القمحانة بريف حماه، والتي تسيطر عليها قوات الأسد) إنها فضلت البقاء مع أهلها في قريتها على النزوح مع زوجها إلى قرية البارة بريف إدلب. تحتج راميا أنها “لا تستطيع النزوح بمفردها وترك عائلتها”، تباين المواقف دفع راميا لطلب الطلاق الذي حصلت عليه وأرسلت على إثره أطفالها للعيش مع أبيهم.
كما شهدت العائلات اللاجئة إلى دول أوروبية أو إلى تركيا ازدياداً في حالات الطلاق، خاصة للرجال الذين هاجروا بمفردهم على أمل “لم شمل العائلة” بعد وقت قصير، وهو لم يحصل، إذ تفاجأ عدد ليس بقليل من النساء بزواج أزواجهن في البلاد التي لجؤوا إليها، أو بطلاقهن، والأمر هنا يشمل بعض النساء اللواتي طلبن الطلاق بعد وصولهن إلى دول اللجوء، ورفضهن للعودة إلى أزواجهن في الداخل السوري، لانعدام الأمان والاستقرار، أو لأسباب أخرى يطول شرحها.
في الجهة المقابلة نجد الكثير من العائلات التي آثرت اتخاذ قرارات بالبقاء أو النزوح سوية، للحفاظ على أسرهم من التفكك، وأطفالهم من الضياع، تقول علياء من خان شيخون بريف إدلب إنها اختارت النزوح مع زوجها الطبيب الذي يتطلب عمله التنقل بين القرى والبلدات، رغم المخاطر وعدم الاستقرار. فـ “إما أن نموت معاً، أو نعيش معاً ولن أسمح لأي ظرف أن يفرقني عن زوجي وأطفالي” تقول علياء.
لا توجد إحصائية دقيقة للأزواج الذين انفصلوا بسبب الهجرة والنزوح، لغياب المؤسسات المهتمة بهذا الشأن، إلا أن إحصائية صدرت عن القصر العدلي في دمشق نشرتها صحيفة الوطن لعام 2017 أظهرت أن نسبة الطلاق ارتفعت في العام 2017 من 27 إلى 31 بالمئة بعد قيام الثورة والحرب لأسباب عديدة، يقول الأخصائي النفسي محمود( 65 عاما) من قرية كنصفرة في جبل الزاوية إن الحياة غير المستقرة تؤثر سلباً على نفسية الإنسان وعلاقاته الاجتماعية مع الآخرين، وتؤدي بالتالي الى زواج وحياة غير مستقرتين بشكل عام، وينبه إلى ضرورة الصبر والتجاوز بين الأزواج خاصة هذه الأيام الشاقة على جميع الناس.