“كيس الحمّام ومشط وليفة وصابون الغار الحلبي” هو ما تحتويه قطعة القماش التي يطلق عليها “البقجة” من مستلزمات لزيارة حمام السوق في سوريا، إضافة إلى المناشف التي تلفّ على الجسم بعد الاستحمام تقول الحاجة أم محمود (50 عاماً) من مدينة أريحا والتي ارتبطت زيارة حمام السوق الأسبوعية في ذاكرتها، وكانت بمثابة “سيران” للاحتفال والبهجة وتبادل الأحاديث والأهازيج عند معظم نساء المنطقة.
تحمل حمامات أريحا كغيرها من الحمامات السورية طابعاً تراثياً وفنياً، إذ تتوسط بركة ماء باحتها الواسعة، إضافة إلى القبب المزخرفة، تمتد الأرائك والمساند على كافة جوانب الحمام، وهي المكان الذي يقصده الأشخاص الذين انتهوا من الاستحمام للاسترخاء والحديث وشرب الشاي وناول الفاكهة والغداء، والذي كان في الغالب طبقاً من المجدرة (الأكلة الشعبية في المنطقة)، كما شكلت تلك الساحة مكاناً لإقامة الأعراس والمناسبات المفرحة وتقليد “الحناء” الذي يسبق الزفاف، “غالباً ما كانت تحجز الحمامات كنقطة للعريس أو العروس من قبل الأصدقاء، ويتم فيها تجهيز بقجة خاصة من الحرير أو الساتان وتزيينها بربطات الشعر والعطور عند النساء” تقول أم محمود، التي لم يتح لها الذهاب إلى حمام السوق منذ ست سنوات، بالرغم من عودتها للعمل، إلا أنها خصصت للرجال فقط.
تقسم الحمامات لأقسام أربعة رئيسة، “البرّاني”، “الوسطاني”، “الجوّاني” و “قميم الحمام”، بعد قيام الزبون بخلع ملابسه في البراني يتوجه للجواني الذي تنتشر به الأجران الحجرية والطاسات النحاسية للاستحمام في جو غائم من البخار بمساعدة (المُكيّس) وهو الشخص المسؤول عن تلييف الزبون بالصابون والماء، ويساعد المكيّس شخص يدعى “التبع” وهو المسؤول عن تغسيل رأس الزبون ويكون ذراع الأول في عمله ضمن القسم الجواني، وبهدف الاستراحة من الجو الحار داخل الجواني يقصد المستحمون الوسطاني خلال فترات الاستحمام، يقول عاصم قربي مالك حمام “الريحاوي” التراثي والذي يزيد عمر حمامه عن الـ100 عام في مدينة اريحا. والذي أعاد، منذ عام تقريباً، ترميم حمامه وبناء الأجزاء المهدمة منه، إثر تعرضه للقصف، وأضاف العديد من الأشياء الجديدة تماشياً مع متطلبات الزبائن الجديدة كتزويده بحمام سباحة.
يتقاضى حمام الريحاوي مبلغ 1300 ليرة للدخول إلى الحمام، وهو ما يعادل سبعة أضعاف ما كان يتقاضاه سابقاً، يقول عاصم إن السبب الرئيسي في ذلك غلاء المحروقات، إذ يعتمد الحمام في تسخين المياه على مادة المازوت، التي باتت عبئاً عليهم، بسبب صعوبة تأمينه وغلاء اسعاره في الشمال السوري المحرر، إذ يصل سعر اللتر الواحد منه الى 250 ليرة سورية، ويحتاج الحمام لتجهيز الماء الساخن على مدار اليوم ما يقارب الخمسين لتراً لليوم الواحد (قديما كان العبء الاكبر يقع على عاتق، الأميمي أو القميمي، وهو المسؤول عن تسخين المياه في حمّام السوق، المهنة التي تعتمد على جمع القمامة و روث الحيوانات ووضعها في بيت النار لتزويد الحمام بالبخار الساخن والماء الساخنة)، بالإضافة لصعوبة تأمين المياه عبر شراء صهاريج تنقل المياه من الآبار الارتوازية والتي يصل سعرها ما يقارب الـ ١٢٥ ليرة لبرميل الماء الواحد، إضافة إلى غلاء الصابون وأجور العمال.
تقول فاطمة البكور إن “أم زوجها” كانت دائماً ما تصحب أقاربها وبناتها إلى حمام السوق، إما في يوم الخميس أو الاثنين وهما اليومان المحددان للنساء لدخول النساء، وكانت عبارات جميلة تستذكرها خلال رفقتها إلى الحمام، وحفظتها فاطمة عنها “إذا أنعم عليك الزمان غسيل وروح على الحمام”، كما كان الحمام مكاناً للنساء الباحثات عن زوجات لأبنائهن، ففي الحمام “تعرف القرعة من أم شعر”، كدليل على رؤية الفتيات على طبيعتهن ودون مساحيق تجميل.
تضحك فاطمة وهي تروي لنا احتفال “أم زوجها” بولادة حفيدها أحمد، بعد أن حجزت للمناسبة حمام السوق ليوم كامل للأقارب والأصدقاء للاحتفال، وكيف ابتدأت حديثها بهنهونة “أوها يا ما قعدوا جنبي أوها ويا ما حرقوا قلبي أوها وقالوا احمد ما بيجي ولد أوها اجاه وربي نصرني”.
بعد الاستقرار الذي شهدته مناطق الشمال السوري عادت معظم الحمامات للعمل منها حمام الصالحية بريف حلب وحمام السوق في مدينة معرة النعمان وحمام الريحاوي في أريحا بالإضافة لحمامات عديدة لاقت اقبالاً من أهالي المدن الأصليين والمهجرين القاطنين فيها، إضافة للزائرين من المدن والقرى المجاورة.