يعتمد الأهالي في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في الشمال السوري (إدلب –أرياف حلب –أرياف حماه) على الزراعة كمصدر رئيسي للحياة، سواء زراعة الأشجار المثمرة أو المنتوجات الخضرية والحبوب والأقماح، والتي تشكل عصب الحياة في هذه المناطق من خلال تأمين الاحتياجات الغذائية الأساسية للسكان، وتوفير فرص عمل لآلاف العائلات، كذلك تحقيق استقرار مادي لملاك هذه الأراضي وتحفيزهم على الاستمرار في ظل الظروف الحالية التي تعيشها هذه المناطق.
ومع تراجع الإنتاج الزراعي وغياب المؤسسات الراعية ودور وزارة الزراعة في دعم الفلاحين، وتأمين المواد الأساسية اللازمة لدوران عجلة الاقتصاد الزراعي من “بذور وأسمدة وشتلات ومبيدات حشرية”، والظروف المناخية والأمنية والسيئة، والنقص الحاد في مياه الري وغلاء أسعار الوقود، كان لا بدّ من حلول جذرية لدعم الفلاحين وتأمين كافة المستلزمات بأسعار مناسبة وبقروض زراعية للاستمرار في الزراعة والمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي.
وبهدف تقديم الخدمات الزراعية تم تأسيس مؤسسة إكثار البذار في عام 2013، وهي مؤسسة إنتاجية (بداية كانت تتبع لمجلس محافظة حلب الحرة) وتوسعت لتشمل كافة المناطق المحررة، وتضم اليوم ثلاثة أفرع في إدلب وريفي حلب الشمالي والغربي، بعد إغلاق باقي أفرعها في المناطق السورية التي استعادتها قوات الأسد والبالغة 9 أفرع سابقاً، بحسب المهندس جمعة لوله مدير مكتب التواصل الداخلي والمراقبة في المؤسسة.
وتعمل المؤسسة على رفع كفاءة البذار المحسن وزيادة انتاج المحاصيل الزراعية كالقمح والشعير والبقوليات، وإدخال بذار البطاطا المستورد من الشركات الأوروبية وتأمين مستلزمات الإنتاج المختلفة من أسمدة وبذار خضار هجينة ومبيدات، إضافة للغراس المثمرة والحراجية وشتول الخضار الهجينة، كما تعمل على إقامة العديد من الندوات التعريفية وزيادة الوعي الزراعي لمختلف المشاكل والآفات التي تتعرض لها المحاصيل الزراعية.
مشروع بذار البطاطا
دأبت المؤسسة ومنذ تأسيسها على تأمين بذار البطاطا المستوردة، واستطاعت خلال السنوات السابقة تغطية (30-40%) من حاجة المزارعين، (وسطياً تحتاج المنطقة إلى 4500 طن من بذار البطاطا)، وعمدت المؤسسة على تأمين البذار من الشركات المتخصصة ودعم سعره، يقدم المهندس جمعة مثالاً عن الدعم “في العام 2018 قامت المؤسسات بنوع بذار البطاطا المعروف باسم “بانيلا” بسعر 1100 دولار للطن، في حين تجاوز سعره لدى تجار البذار 4000 دولار للطن”.
من جهة أخرى تقوم المؤسسة عبر مشروعها الوطني لإنتاج البطاطا والذي يضم ما يقارب “250 بيت شبكي” في ثلاثة مواقع بين محافظتي حلب وإدلب بإنتاج ما يقارب 200 طن من بذار البطاطا المحلية والتي تصلح للزراعة بالعروة الخريفية والربيعية، ويشرف على هذه البيوت كادر من المهندسين المختصين.
ومع توقف الدعم من الجهات المانحة في العام الحالي انخفضت كمية البذار المستوردة إلى 500 طن (ثلث الكمية السابقة)، سيتم زراعتها على مساحة 400 هكتاراً، من المتوقع أن تنتج 15 ألف طن من البطاطا المعدة للاستهلاك المحلي، (في العام 2018 تم استيراد 1500طن وزعت على 1100 هكتاراً و1376 مستفيداً)، أما انتاج المشروع الوطني فيكفي لزراعة 150 هكتاراً بإنتاج يبلغ 5000 طن.
مشروع بذار القمح
بدأت المؤسسة ومنذ عام 2015 بمشروع تأمين بذار القمح ضمن حقول إكثارية بالتعاون مع الهلال الأحمر القطري ووحدة تنسيق الدعم، ووصلت مساحة الأراضي المزروعة ضمن المشروع في العام 2018 إلى 8000 هكتاراً.
وتعتمد آلية المشروع على ما يسمى “القرض الحسن”، حيث تقوم المؤسسة بتقديم البذار ومستلزمات الزراعة الأخرى من محروقات (تكاليف الري) ومبيدات وأكياس الخيش للمزارع في بداية الموسم، واستردادها في نهاية الموسم على شكل بذار قمح، تقوم المؤسسة باستلامه وتخزينه في مستودعات خاصة، ومن ثم تقوم بغربلته وتعقيمه وتعبئته بأكياس سعة 50 كيلو غرام وبيعه للمزارعين بأسعار مدعومة (في العام 2018 بلغت كلفة الطن الواحد 350 دولاراً على المؤسسة، وتم بيع الطن بـ 310 دولاراً للمزارع بدعم وسطي 10-15%).
وتقوم المؤسسة بإنتاج أصناف القمح الطرية والقاسية، إذ قامت بتوزيع 13 صنفاً من القمح خلال العام الماضي، ويردف هذا المشروع مشروع “المحطات الإكثارية”، والذي تقوم المؤسسة من خلاله برفع النقاوة الصنفية لأصناف القمح الموجودة في سوريا، (بدأ العمل فيها منذ عام 2016، وبلغت كمية بذار القمح الذي تمت رفع النقاوة الصنفية له بحدود 400 طن من القمح).
تقلصت مساحة المشروع في العام 2019 لتصل إلى 1000 هكتاراً، وبتمويل من مؤسسة إكثار البذار فقط، ومن المتوقع أن تنتج 4 آلاف طن من بذار القمح سيتم غربلتها وتعقيمها وبيعها للفلاحين في العام القادم.
الصيدليات الزراعية
تدعم المؤسسة عدداً من الصيدليات الزراعية وتقوم بتأمين المبيدات والمستلزمات الزراعية الأخرى من أسمدة ذوابة ومعدنية وأخرى كاليوريا والسماد المركب من مصادر موثوقة، ومزودة بشهادات تحليل عالمية بهدف تغطية احتياجات السوق، خاصة مع انتشار أنواع “غير نظامية” وغياب الرقابة الزراعية، وذلك بهدف تخفيف العبء ولأضرار على المزارعين. وبلغ عدد المستفيدين الإجمالي خلال الأعوام الماضية من خدمات هذه المراكز الزراعية 25 ألف مستفيداً، وكان لهذه المراكز أثراً إيجابياً من خلال منع التلاعب بأسعار المواد الزراعية وتوفير مواد ذات مصداقية عالية ومواصفات ممتازة.
كما نظمت المؤسسة عدداً من الدورات التوعوية للمزارعين، وتوزيع النشرات الإرشادية (تم توزيع أكثر من 10000 نشرة إرشادية) والتي تناولت مواضيع عدة تخص المبيدات وطريقة استعمالها وتجهيز الحقول وغيرها.. إضافة إلى الحملات الوطنية لمكافحة فأر الحقل والسونة.
المشاتل الزراعية
أنشئ المشتل الزراعي في العام 2016 بسبب غياب الجهات التي تختص بهذا المجال والتي من المفترض أن تتبع لوزارة الزراعة، ويهدف إلى انتاج غراس حراجية وأخرى مثمرة، وتم إنتاج ما يقارب 25ألف شتلة غراس حراجية ومثلها مثمرة في العام 2018، بعد أن شهد العام الأول إنتاج 10 آلاف من نوعي شتلات الغراس.
كما توسعت خطة المؤسسة للعام 2019، إذ من المتوقع إنتاج مليون شتلة خضار هجينة من “الخيار والبندورة والباذنجان والفليفلة..”، بعد أن كان الإنتاج لا يتجاوز 50 ألف شتلة في الأعوام السابقة، وتهدف خطة المشتل لإنتاج 40 ألف غرسة من عدة أنواع من الأشجار الحراجية والمثمرة و700 ألف غرسة زيتون.
مشاريع قيد الإنشاء وأخرى مؤجلة
تعمل المؤسسة حالياً على إنشاء مخبر لصحة البذور، بهدف فحص كافة العينات الموجودة والمستوردة عبر المعابر الحدودية ومعابر النظام، وذلك بالتنسيق مع الجهات العلمية المتخصصة.
كما تسعى المؤسسة للقيام بعدة مشاريع أهمها “مخبر زراعة الأنسجة”، لما له من أهمية، إذ قدمت عدة دراسات من أجل إنشائه للمنظمات، دون جدوى حتى الآن، بحجة إدراجها تحت ما يسمى “مشاريع إعادة الإعمار”.
وتعاني المؤسسة من صعوبات وعوائق كثيرة لخصها المهندس جمعة بتأمين المستودعات وحمايتها من القصف والاستهداف، وتراجع الدعم وتوقفه من قبل المنظمات والذي أدى إلى توقف بعض المشاريع، وانخفاض كميات البذار المدعومة بدلاً من زيادتها، والحاجة إلى التوسع في انتاج بذار المحاصيل الأخرى كالبقوليات والشعير، وتأمين البذار الهجينة وإنشاء مشاتل جديدة، والتوسع بالمشروع الوطني لبذار البطاطا، والمرتبطة بالدعم والجهات المانحة، أو تأمين الأكلاف اللازمة لهذه المشاريع التي من شأنها تأمين الاستقرار والأمن الغذائي في المنطقة، وإعادة زراعة مساحات كبيرة من الأراضي بعد تراجع زراعتها خلال سنوات الحرب، ومنع استغلال الفلاحين واحتكار المواد من قبل التجار، وتقديم الغذاء للسكان بأسعار تتناسب مع دخل المواطن