أنهكت العقاقير الطبية ووصفات الدواء باهظة الزمن وكشوفات الأطباء والتحاليل والمشافي ما تبقى في جيوب المرضى، خاصة أولئك الذين يعانون من أمراض مستعصية، كالسرطان والتهاب الكبد واضطرابات الغدد والعقم والسمنة الزائدة وبعض المشاكل الجلدية والندبات، ومع طول مدّة العلاج وغياب النتائج المرضية واليأس من الشفاء، ولأن “الغريق يتعلق بقشة” لجأ كثر منهم إلى الطب البديل أو طب الأعشاب، والذي أثبت نجاعته عند بعض الحالات المرضية البسيطة، بينما فاقم الحالة المرضية سوءاً في حالات أخرى، ناهيك عن المبالغ الجديدة التي ترتبت على المرضى.
وتفرّق الدراسات بين نوعين من ممتهني طب الأعشاب، أولئك الذين توارثوا المهنة ويملكون خبرة جيدة بأنواع الأعشاب واستعمالاتها وأضرارها ومنهم من امتلك خبرة أكاديمية عبر الدراسة كبعض الصيادلة إضافة إلى خبرتهم العملية، وآخرون دخلوا على تلك المهنة دون دراية، وساهموا في الإساءة لها، وتسببوا في تأخر علاج كثير من الحالات المرضية، عدّتهم في ذلك بعض الخلطات العشبية غير المتجانسة بأسماء غريبة، ودعاية ملفقة من قبل الأشخاص، ووهمٍ يتعلق به المرضى الباحثين عن حلول لمشاكلهم.
حالات كثيرة تحدثت عن معاناتها خلال ارتيادها لعيادات الطب البديل، أقلها عدم الفائدة والخسارة المالية، يروي أحمد والد الطفلة منى بريف حلب الغربي، إنه لجأ إلى عيادة الطب البديل بعد أن نصحه أحد أقربائه بها، فطفلته التي تعاني من نوبات الربو التحسسي منذ ولادتها “عجّزت الأطباء” على حد قوله، ولم تعد الأدوية الكثيرة التي تستعملها وتستبدل في كل مرة تفي بالغرض، بعد شرح حالة الطفلة للعشّاب الذي عرّف عن نفسه بأنه يشفي جميع الأمراض ولديه كافة الحلول لأمراض مستعصية منذ زمن، وحديثه عن حالات شفيت بالأسماء، ونساء أنجبت ومرضى سرطان والتهابات كبدية تعافوا، قام بإعطائه “منقوع” من نبات قال إن اسمه “العرعر” يخلط مع عسل صافي، ويستخدم لمرتين يومياً، كان الثمن 4 آلاف ليرة سورية، ملعقة واحدة كادت أن تودي بحياة طفلته التي أسعفها لأقرب مشفى، يقول إنها بقيت على جهاز الأكسجين لأكثر من ساعتين لتسترد أنفاسها.
أما عفراء (32 عاماً) من خان شيخون بريف إدلب فقد عادت خالية الوفاض من عيادة الطب البديل، بعد دفعها لعشرات الآلاف من الليرات، وزيارات متكررة تجاوزت السنة، وتناول عشرات الخلطات، للحصول على طفل، دون جدوى، تقول “لم تعد تثق بالطب البديل ولا الأعشاب”.
على الفيس بوك يطرح العديد من “العشابين” منتجاتهم السحرية لتخفيف الوزن، على شكل أعشاب مغلية أو كبسولات، وحكايات عن نساء تخلصن من عشرات الكيلو غرامات من الوزن الزائد بعد استعمال عبوة أو عبوتين، غالباً ما يضاف لها تراخيص وهمية لشركات أوروبية لا وجود لها، مع استعداد لإيصالها إلى المنازل عبر وسطاء في جميع المناطق، تقول سعاد إنها استخدمت ثلاثة علب حتى الآن، وفي كل مرة كانت تراقب وزنها تجده قد زاد، بعد أن دفعت عشرة آلاف ليرة كثمن لكل عبوة.
في المقابل يقول محمود درباس (31 عاماً) من قرية كفرسجنة بريف إدلب الجنوبي إنه زار عيادة الطب البديل بعد أن كان يعاني من العقم، وخضوعه لعملية جراحية واستخدامه لعشرات الأدوية، ليجد تحسناً ملحوظاً في تحاليله بعد استخدامه للعلاج العشبي. رزق محمود بطفل بعد (11 شهراً) من العلاج، وهو الآن يكرر الأدوية العشبية آملاً أن “يرزقه الله بطفل آخر”.
يقول موسى الحاج حمود (خريج معهد الصيدلة وتركيب الأدوية والخبير بالطب البديل وطب الأعشاب) كما عرف عن نفسه، إنه يزاول مهنته في طب الأعشاب منذ ما يقارب (17 عاماً)، وإنه يلجأ إلى أعشاب معينة يعرف أنواعها وفوائدها في علاج الكثير من الأمراض الجلدية وآلام المفاصل والروماتيزم وأمراض الغدد وتساقط الشعر، ويبقى أكثر مُراجعيه “حالات العقم” على حد قوله.
يعتمد موسى على التحاليل الطبية التي يطلبها من مراجعيه لمراقبة آلية العلاج ومدى التحسن، ويستخدم الأعشاب والزيوت والعسل وأنواعاً من الحبوب في وصفاته، مؤكداً أن الأسعار التي يتقاضاها مناسبة وقد ارتفعت في الآونة الأخيرة نتيجة غلاء أسعار المواد التي يحصل عليها من مناطق مختلفة.
يقول موسى إن “هناك من يزاول هذه المهنة بالعلاج بالأعشاب والطب العربي فقط، ويهملون الدواء والطب الحديث وهذا خطأ فهناك حالات لا غنى لنا عن الطب الحديث والأدوية الكيميائية فيها”.
وعن هذا الموضوع يقول الدكتور محمد السعيد (طبيب عام في مركز حيش بريف إدلب) “طب الأعشاب أو الطب البديل هو طب قديم منذ عصور وقد استخدمه العرب وفق تجارب عديدة، ونحن كأطباء لا ننكر فوائد الأعشاب خاصة في الحالات الهضمية مثلاً، وفد استخلصت الكثير من الأدوية من الأعشاب، كما أن هناك شركات أدوية عالمية كشركة “هيمالايا” تعتمد على جميع مصنوعاتها وأدويتها من الأعشاب ونحن نستخدمها هنا، وهي تحقق نتائج جيدة، ولكن يجب أخذ الأعشاب بعد دراسة آثارها الجانبية وعن دراية وعلم، وبرأيي يجب أخذها من جهة مختصة بشكل علمي فهذا الأمر شأنه شأن الأدوية الكيميائية “.
أما الدكتور عطا عرنوس (طبيب جراحة عامة في مشفى إدلب الوطني) فكان له رأي آخر “الطب البديل كان ولا يزال موجوداً لكنه لا يعتبر علاجاً كافياً أو فعالاً لكافة الأمراض.. بل إنّ هناك سلبيات له إذا زادت الجرعة العشبية عن الحد المطلوب، ولهذا قد أنتجت بعض الشركات العشبية مثل شركة “العطار” منتجاتها على شكل علب تحوي عدداً معيناً من الظروف التي تحتوي فيها الأعشاب بنسبة مدروسة علمياً وفق أبحاث وتجارب علمية بحتة”.
ويضيف الدكتور عطا: “كانوا قديماً يستخدمون الأعشاب، وبعد أبحاث وتجارب علمية قام العلماء المختصون بإنتاج أدوية كيميائية توازي وتفوق هذه الأعشاب فعالية على شكل كبسولات أو تحاميل أو عقاقير سائلة، ولكن بعض الأمراض لا يمكن معالجتها بشكل فوري بواسطة أي علاج كأمراض السرطان والصدف والجزام والبهاق وغيرها من الأمراض التي لا تتجاوب مع العلاج إلا بعد أشهر قد تطول من المعالجة، هذا ما أفقد بعض المرضى الثقة وجعلهم يقصدون الطب البديل”.
لا توجد رقابة صحية على ممتهني طب الأعشاب، وفق شائعة متداولة أن هذه الأعشاب “إن لم تنفع ما بتضر”، وهو ما تخالفه الدراسات العلمية الطبية التي أكدت أن العديد من الخلطات تحمل سلبيات تؤثر على الأشخاص أهمها الكبد والكلى وفشل المبايض عند النساء، وكانت دراسة نشرتها هيئة الغذاء والدواء الأمريكية في العام 2014 قد أوضحت أن 31% من النباتات العشبية تنتج السموم الفطرية الضارة، و19% منها تنتج مركبات الأفلاتوكسین المرتبطة بسرطان الكبد، و12% منها تنتج مركبات الأوكراتوكسین، التي تسبب الفشل الكلوي.
كما أكدت الدراسات أن ممتهني طب الأعشاب دون دراية، لا يجيدون التمييز بين الأجزاء السامة من الأعشاب والمفيدة منها، كما أنهم لا يعرفون النسب الحقيقية اللازمة لهذه الخلطات، والتي تحتاج إلى تحليل نوعي للأعشاب واستخلاص المواد المفيدة منها، والسواغات اللازمة لذلك، إلّا أن الدراسة تستثني المختصين وأصحاب الخبرة وتعتبر أن العلاج العشبي ناجع في بعض الحالات.
سناء العلي