يخضع الزواج كغيره من العادات الاجتماعية إلى تغيرات وتبدلات تفرضها الظروف المجتمعية، وتلقي بثقلها على الحياة العامة والأفكار المتعلقة بنظرة النساء والرجال على حد سواء إلى فكرة الزواج، وتقبل تلك التغيرات باعتبارها واقعاً مفروضاً لا بدّمنه، خاصة في ظروف الحرب، ومنها تقبل النساء لفكرة تعدّد الزوجات، باعتباره حلّاً لزيادة عدد النساء مقابل الرجال في سوريا، نتيجة لظروف القتل والاعتقال وهجرة الكثير من الشباب السوري إلى خارج البلاد.
لم تغب ظاهرة تعدد الزوجات في سوريا، إلّا أنها كانت بأعداد قليلة، شهدت تطوراً سريعاً خلال السنوات الماضية، كما ارتبط تعدد الزوجات سابقاً بأسباب معينة، كعدم الانجاب ومرض الزوجة، ناهيك عن بعض الحالات الأخرى والتي يتم فيها الزواج دون أسباب، كما ارتبطت هذه الظاهرة أيضاً بالقدرة المالية، وغالباً ما تكون المرأة الثانية من النساء “كبيرات السن” أو المطلقات والأرامل، أو ممن لا يملكن قسطاً جيداً من الجمال، تقول المرشدة النفسية حميدة، والتي أضافت أن الضغط النفسي ونظرة المجتمع للنساء “اللواتي لم يتزوجن والمطلقات والأرامل” باعتبارهن “عانسات” مع قساوة اللفظ، وتحولهن إلى عالة على عائلاتهم، دفعهن إلى القبول بالزواج الثاني كحل بديل، غالباً ما كن يندمن عليه.
وترى حميدة أن الأمور قد تغيرت في السنوات السابقة، وانتشرت هذه الظاهرة بين فتيات صغيرات، وبعضهن متعلمات، ويملكن قسطاً وافراً من الجمال.
ليلى طالبة جامعية في الثالثة والعشرين من العمر (عزباء)، قالت إنها لا تجد مشكلة في قبولها بالزواج من شخص سبق له الزواج من أخرى، فنقص الخيارات الذي خلفته هجرة الشباب وموتهم في القصف وفي المعارك الدائرة منذ ثمان سنوات غيّر كثيراً من قناعات بنات جيلها تجاه هذه المسألة المعقدة، خاصة وأن الشبان الذين لجأوا خارج سوريا سيتزوجون من نساء لاجئات في الأماكن التي يعيشون فيها، على حد قولها، نظراً لصعوبة إجراءات لم الشمل، وغيابها في دول كثيرة، ناهيك عن التكاليف الباهظة والخطر الذي يرافقهن في حال قررن الالتحاق بأزواجهن عن طريق التهريب.
هند (25 عاماً) لم ترفض احتمالية قبولها برجل متزوج سابقاً، إلّا أنها تربط هذا الأمر بنظرة جزء ليس بقليل من المجتمع إلى النساء الذين تجاوزن الخامسة والعشرين من العمر، على أنهن “عانسات”، وغالباً ما يرغب الشبان بالارتباط بفتيات دون سن الثامنة عشرة. وهو ما أرجأته هند إلى الجهل وغياب الوعي.
من جهة أخرى تقول بتول (مدرسة) في السادسة والعشرين من العمر إن الارتباط برجل متزوج لا يدخل ضمن خياراتها بشكل قطعي، فهي لن تكون “زوجة ثانية” على حد قولها، مؤكدة على أن لكل حالة خصوصيتها، وأن نسبة النساء اللواتي لم يحصلن على فرصة للزواج من قريناتها تجاوز النصف، وهو ما سيؤدي لاحقاً لقبولهن بعروض زواج يكون الزواج الثاني واحداً منها، كذلك الزواج من كبار السن، أو من الرجال الذين فقدوا زوجاتهم.
“لا أحد يرى سوى الظاهر” تقول منى، الزوجة الثانية لرجل في الخمسين من العمر، إذ دائماً ما تظهر علامات الرضا والسعادة عند سؤالها عن زواجها، إلّا أن أشياء كثيرة تعتمل في داخلها وتؤثر على حياتها، على حد قولها، تشعر منى بأنها “أخذت رجلاً من امرأته، وتقاسمته معها” تقول إنها دائماً ما تفكر في صعوبة الأمر، وتتحاشى النظر في وجه “ضرتها” لا كيداً بل خجلاً، خاصة وأنها تقارب والدتها في السن.
بينما تنظر هدى (45 عاماً) إلى زوجها على أنه “خائن للعشرة” بعد أن تخلى عنها، تقول إنه يتركها لأيام دون السؤال عنها، وفي الغالب لا يرد على اتصالاتها، بعد زواجه الثاني تغير حاله، تكمل هدى التي قالت إن حياتها معه سابقاً كانت جيدة، وإنه كان رجلاً محباً لبيته وزوجته، والآن “كل شيء تغير”.
ليست المرأة وحدها “ضحية هذه الظروف” بحسب حميدة التي قالت إن هناك الكثير من العادات الموروثة في الزواج كبلت الشباب، وقيدت خياراتهم ما جعلهم يعزفون عنه، ومنها الكلفة الباهظة للمهور التي ترافق عملية الزواج، والشروط الموضوعة من قبل الأهالي للقبول، وعزوف عدد ليس بقيل عنه نتيجة قلة فرص العمل، أو ضبابية المستقبل بالنسبة لهم.
وترى حميدة أنه من الواجب “تيسير أمر الزواج” في هذه المرحلة والتخفيف من الشروط والمهور، يقابله توعية الفتيات وتعزيز دورهن وتمكينهن في المجتمع، ليتحولن إلى منتجات، ومساعدتهن على اتخاذ القرارات الصائبة، حتى لا يصبح الزواج حلماً وحيداً وحلّاً لأزمتهن النفسية، بل يعود إلى الأصل الذي خلق من أجله في بناء شراكة وعائلة سوية.