كلّما راجعت أم محمد طبيب المستوصف في قريتها لتشكو له عدم استجابتها وأطفالها الخمسة للعلاج، كانت تعود بعلب أدوية كثيرة وأنواع جديدة من الصادات الحيوية وأدوية التحسس والسعال، لكن دون جدوى. أكثر من شهر مضى على العائلة التي يأبى المرض مغادرتها تقول الأرملة الخمسينية إن بيتها صار أشبه بالصيدلية، في كل زاوية منه دواء لطفل من أطفالها، ناهيك عن أدويتها، وهو ما اضطرها لمراجعة أطباء وصيادلة جدد في المناطق القريبة لبيتها، لتتساءل عن فعالية الأدوية التي تستخدمها، كانت الأجوبة التي تحصل عليها دائماً أن السبب الرئيسي ليس ضعف الفعالية وإنما نوع الوقود الذي تستخدمه في التدفئة.
تعتمد أم محمد على ثياب البالة والأحذية القديمة في التدفئة لهذا الشتاء، بعد أن تجاوز سعر الأنواع الأخرى من الوقود (المازوت والحطب) حاجز الـ 50 ألف ليرة، ووصل سعر الأنواع الجيدة منه إلى 75 ألف.
حال أم محمد لا يختلف عن حال إيمان التي تستخدم المازوت المكرر بدائياً للتدفئة، تقول “رائحة المازوت في المدفئة يصيبني بالاختناق، هذا عدا عن التهابات الصدر ونوبات السعال المتكرر التي لا تكاد تفارق البيت طوال فترة الشتاء”.
وعن الأذية لصحية التي تسببها أنواع الوقود المستخدمة في التدفئة يقول الصيدلاني هاني خلف من مدينة إدلب لفوكس حلب “إن المازوت غير النقي يحوي على شاردة الكبريت المؤذية للجهاز التنفسي، خاصة للمرضى الذين يعانون من حساسية مفرطة للروائح وهو ما يؤدي إلى تشنجات قصبية وضيق بالتنفس وهجمات ربو تحسسي”، كما أن استخدام المواد البلاستيكية في التدفئة وما يصدر عنها من غازات يؤدي إلى تشنج في القصبات وذات الرئة الحاد والتهاب البلعوم التحسسي والتهاب الجهاز التنفسي السفلي والربو القصبي، وقد تتطور هذه الحالات إلى التهاب قصبات مزمن، وفي حالات متقدمة وباستمرار استنشاق “السموم” الناتجة عن هذا الاحتراق قد يصاب بعض المرضى بـ سرطان البلعوم أو الحنجرة وتنخر بالأغشية الرئوية.
ويرى الصيدلاني أن العلاج المستخدم كمضادات التحسس والموسعات القصبية والصادات الحيوية في حال وجود الانتانات ناجعة، لكن العلاج سيكون “ناكساً” في حال بقاء السبب، وعندها سيتحول المرض من حاد إلى مزمن مؤكداً على أهمية العلاج الوقائي والاعتماد على وقود التدفئة النظيف.
ويعطي الخلف إحصائية تقريبية لعدد المرضى الذين راجعوا صيدليته بأمراض تنفسية مزمنة بأكثر من 800 مريض خلال الشهر الماضي، واصفاً العدد بأنه زاد بأربعة أضعاف عن الأشهر السابقة، مؤكداً على حاجة كثير من الحالات إلى الإرزاز، وبعضها إلى المشفى لتأمين الأكسجة اللازمة للمريض.
من جهته قال رائد الحمدو (طبيب داخلية) إن أفضل أنواع الوقود هو الحطب وخاصة شجر الزيتون، فالاحتراق فيه يكون كاملاً، أما المازوت المتوفر في الأسواق فيحتوي على نواتج ضارة ناجمة عن الاحتراق الجزئي، ويزداد الضرر مع المازوت اﻷقل جودة والفحم والبيرين، والأكثر ضرراً الفضلات البلاستيكية التي ينتشر عند احتراقها غاز أول أوكسيد الكربون، شديد اﻹلفة للخضاب، والذي يسرع الاختناق وخاصة عند المسنين وأصحاب اﻷمراض المزمنة”.
تعود أم محمد هذه المرة حاملة معها أنواعاً جديدة من الأدوية، وهي تطعم مدفأتها بقايا حذاء قديم، فالشتاء قاسٍ ولم يبق في المنطقة “عود أخضر” بعد قطع مساحات هائلة من الأحراش وبيعها في الأسواق بأسعار لا تملك القدرة على شرائها.