يحمل الموروث الثقافي في مجتمعنا العربي تمييزاً واضحاً ضد دور المرأة، خاصة إن كان الأمر يتعلق بالحياة السياسية، لتغيب المرأة بفعل العادات والنظرة الدونية والتفسيرات الخاطئة للنصوص الشرعية عن مجالات كثيرة لا تقتصر على السياسة وحسب، وبفعل هذه الظروف والتراكمات الثقافية ركنت المرأة في الأرياف السورية على وجه الخصوص إلى الابتعاد عنها، تجنباً لأي صدامات وانتقادات ذكورية، ستؤدي بالنهاية إلى إفشال عملها، وزيادة الصعوبات والمشاكل التي تواجهها ما زاد في عزلتها وتقييد حركتها.
وإن كانت الثورة السورية بمفاهيمها التي انتشرت، والتي شاركت بها المرأة السورية “الخاسر الأكبر في الحرب، بفعل التضحيات التي قدمتها والخسارات التي تعيش مع آثارها للأبد”، وبوصفها “أكثر نساء العرب قهراً” كما وصفها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، استطاعت هذه الثورة إلى حدّ ما، تغيير الصورة النمطية للمرأة في المجتمع السوري، إلّا أنها وإلى الآن ما زالت تعاني طريقاً شاقة للوصول إلى حالة من المساواة والكرامة، وتغيير نظرة المجتمع.
تقول جميلة (22 عاماً طالبة جامعية) إنها لم تكن تتوقع في أفضل الأحوال أن تهتم بالسياسة، خاصة وأنها كانت تتجنب الحديث بها ومتابعتها، إذ كانت تخرج من غرفة عائلتها التي سيطرت عليها أحاديث السياسة ونشرات الأخبار خلال الثورة، وهو ما قالته منار (30 عاماً تعمل كمدرسة في إدلب) إنها لم تكن تفترض أن تحب السياسة يوماً، لا أن تشارك فيها، بينا رأت ندى (45 عاماً مديرة منظمة إنسانية) إنه لا بدّ من الاشتراك بالعمل السياسي الذي يتدخل بكافة تفاصيل حياتنا السورية اليوم.
المجتمع السوري في المناطق المحررة والذي تشكل النساء اليوم أكثر من 60% من مكوناته، سعى إلى كسر الحاجز النفسي الموروث تجاه عمل المرأة بالسياسة، ومن هنا بات الدخول في مراكز صناعة القرار أمراً بالغ الأهمية، وإن كان هذا الدور لا يزال خجولاً حتى الآن في الداخل السوري، إلّا أنه تجلى على شكل انخراط المرأة ومشاركتها بالدورات والورشات السياسية والحوكمة والمؤتمرات السياسية والوظائف المتعددة في المجالس المحلية والهيئات الإدارية.
رابية الحرامي (أم لأربعة أولاد أحدهم من ذوي الاحتياجات الخاصة) شاركت في المجلس المحلي لمعرة النعمان لعام 2016، كعضو مرمم، وفي نهاية تلك السنة تم انتخاب مجلس جديد شغلت فيه منصب رئيسة المكتب القانوني، ثم عضو مكتب تنفيذي، كما أسند إليها منصب نائب رئيس المجلس تقول: “كان لي مشاركات سياسية، حيث حاضرت بشبكة عدالة للتمكين السياسي للمرأة، كما شاركت في إعداد النظام الداخلي الموحد للمجالس، وشاركت في تدريب الحوكمة الرشيدة والقانون 107 تحت رعاية وحدة المجالس في غازي عينتاب التركية، وكذلك في تدريب التفاوض وبناء عملية السلام برعاية اللاكو والاتحاد الاوربي في أواخر عام ،2017 وأيضا في الشهر العاشر لعام 2018 وآخرها ورشة لتمكين المرأة تابعة للاتحاد الأوربي”.
تقول رابية إن عملها في المجلس المحلي شكل الكثير من الصعوبات في حياتها بادئ الأمر، إلا أنها استطاعت الاستمرار لمواجهة بعض الأفكار المتطرفة وإثبات وجود المرأة في الحياة السياسية، كمثال للمرأة الملتزمة دينياً والتي تمارس عملها السياسي دون أن يؤثر ذلك على حياتها الاجتماعية والثقافية، مع زيادة الأعباء الملقاة على كاهل المرأة والتي وصفتها بـ “المسؤولية المزدوجة” سواء على النطاق الأسري التي تتحمل الجزء الأكبر من أعبائه، أو على صعيد عملها والتوفيق بين الأمرين الذي يتطلب جهداً مضاعفاً.
وينقسم الشارع السوري في رؤيته لعمل المرأة السياسي بين رافض ومؤيد، وهو ما شهدته وسائل التواصل الاجتماعي من انقسام حول تسلم إيمان هاشم رئاسة مجلس مدينة حلب منتصف عام 2018، والحملات التي طالبتها بالاستقالة اعتماداً على قراءات خاطئة لنصوص شرعية تمنع تولية المرأة للمناصب السياسية، بحد فهمهم لتلك النصوص، أو من خلال النيل من المرأة بفعل الموروث الثقافي الذي أطر المرأة بالاهتمام برعاية أطفالها والتبعية الزوجية الذكورية، وفي أفضل الأحوال الخوض في مجالات عمل يراها المنتقدون مناسبة للمرأة كالتعليم والصحة.
كل تلك الانتقادات لم تفلح بإقصاء الهاشم، ساعدها على الاستمرار دعوات أخرى مناقضة ترى في المرأة أهلية في مركز صنع القرار، وهو ما أدى إلى تسلمها رئاسة المجلس بعد حصولها على 12 صوتاً من أصل 20، تقول الهاشم (الحاصلة على إجازة في اللغة العربية 2004) “عملت في المجلس المحلي منذ تأسيس مجلس مدينه حلب، و إلى الآن، ففي الدورة الرابعة عام 2016 قبل تهجرنا من مدينه حلب شغلت منصب رئيس مكتب الشؤون الاجتماعية و التعليمية في مجلس المدينة، ونلت شرف تمثيل بلدي في بعثة دبلوماسية لفرنسا ضمن اتفاقية التوأمة بين مدينه حلب السورية و مدينة ميتز الفرنسية”.
ورأت الهاشم في ممارسة المرأة للعمل السياسي “ضرورة ملحة” بسبب الظروف التي تعيشها المنطقة، إذ يتوجب عليها “الدخول إلى هذا الجانب لتكون على سوية ودراية بكل ما يدور في أروقة السياسة، خاصة بما يتعلق بالقضية السورية”، وأضافت رئيسة المجلس المحلي إنه لم يكن من طموحها سابقاً الدخول في العمل السياسي، وكان دورها يقتصر على النواحي التربوية والتعليمية، ولا يزال من أوائل اهتماماتها، إلّا أن طبيعة الثورة فرضت على الجميع الدخول في هذا الحقل، وأعربت عن طموحها في الفترة المقبلة بأن تقام ورشات واجتماعات في الداخل السوري وأهمية دخول المرة في هذا المجال فـ “هناك أهمية كبيرة وعظيمة وفاعلة لعمل المرأة في المضمار السياسي”.
وشهدت الانتخابات الأخيرة نهاية العام الماضي في بلدة عنجارة حضوراً مميزاً للنساء، تمثل بترشح أربعة نساء لخوض غمار انتخابات المجلس المحلي، ببرامج انتخابية وحملات إعلامية، وبمساعدة المنظمات الإنسانية التي وقفت إلى جانبهن، وأسفرت عن فوز واحدة من المرشحات بالانتخابات التي وصفت “بالتجربة الديمقراطية الأولى للعملية الانتخابية في المناطق المحررة”.
يشهد الشمال السوري نشاطاً كبيراً في مختلف المناطق، من قبل المجالس المحلية والمنظمات الإنسانية، على مختلف الأصعدة، خاصة تلك المتعلقة بـ الدستور والدورات التدريبية والتوعية السياسية والمواطنة والحكومة، لتعزيز دور المرأة وتمكينها في الحياة السياسية.