بالقرب من سرير الطفلة شيرين (9 سنوات)، والتي غرقت بنوبة صراخ وبكاء سببها طلق ناري اخترق ذراعها الصغيرة، وقف عدد من الأشخاص الذين تركوا العرس لنقل الطفلة إلى المشفى، بعد أن تسبب إطلاق العيارات النارية العشوائية بإصابتها، وتحويل الفرح الاحتفالي إلى ما يشبه العزاء.
شيرين التي كانت تشارك بفرح وتتنقل بطفولة بين المحتفلين، لم تدرك خطورة البقاء في المكان، حين انطلقت عشرات الرصاصات في الهواء تعبيراً عن الفرح، لتصيبها واحدة من الطلقات في ذراعها عن طريق الخطأ، وتفسد لحظة الفرح بالرغم من المناشدات الكثيرة بالامتناع عن إطلاق العيارات النارية، والمشاهد المكررة لعشرات إن لم نقل المئات من المآسي التي نتجت عنها، والتي أودت بحياة كثر من المحتفلين.
ومع انتشار الأسلحة وغياب القوانين الرادعة ازدادت هذه الظاهرة لتغدو طقساً ملازماً للأفراح والأتراح، ومصدراً للقلق والإزعاج يقول أبو أحمد (من ريف إدلب الجنوبي) فمع كل مناسبة تتحول القرية إلى ما يشبه ساحة المعركة، أصوات لرشقات نارية مختلفة، وسط صراخ الأطفال وخوفهم، متسائلاً “إلى متى ستبقى هذه الحالة دون رادع أو أي إحساس بالمسؤولية؟”.
ويصف أبو شادي هذه الظاهرة بـ “قلة الأدب والاحترام، فلا يكاد يخلو بيت في المنطقة من حزن ومصيبة لفراق شهيد أو انتظار غائب أو معتقل”، مضيفاً “أن الناس لم تعد تحتمل مصائب إضافية” نتيجة ما قال عنه “طيش وتهور من قبل مطلقي النار”.
ويعزو أبو سعيد “مقاتل في ريف إدلب” سبب انتشار الظاهرة إلى “وفرة السلاح بأيدي المدنيين والعسكريين على حد سواء، خاصة بين الشبان المراهقين غير المؤهلين لحمل السلاح، يرافقه شعور بعدم المسؤولية والمنافسة والطيش بين صفوفهم، وغياب المحاسبة والأحكام القضائية الرادعة”، كما أرجع أبو سعيد إطلاق العيارات النارية في المناسبات، وفي كثير من الأحيان، إلى “وسيلة للمفاخرة بين الفصائل العسكرية المختلفة، وكثيراً ما تتطور إلى خلاف بينها”.
لا توجد قوانين واضحة في الشمال السوري للحدّ من هذه الظاهرة ومعاقبة مرتكبيها، إذ يترك للقاضي مهمة تقدير العقوبة بـ “التعزير” بحسب أبو سعيد الذي قال “إن العقوبة تتراوح بين السجن لفترة محددة أو الغرامة المالية”، وتلك مسألة اجتهادية يحددها القاضي بحسب الشخص والمنطقة والضرر الذي سببه”، وهو ما أكده علاء (من قرية كفرسجنه) والذي عوقب بغرامة مالية قدّرها القاضي بـ “50 ألف” بعد شكوى من قبل جيرانه لإطلاق النار في عرسه، وهو تقريباً ما دفعه عامر إذ غرم بمبلغ 45 ألف ليرة.
لا يعتبر الأهالي تلك العقوبات رادعة، فالمبالغ المفروضة لن تحدّ من انتشار هذه الظاهرة يقول المرشد النفسي أحمد الحسين الذي أضاف أن العقوبة لا تتجاوز 100 دولار، واصفاً المبلغ بـ “البسيط”، مطالباً السلطة القضائية بإصدار عقوبات صارمة للحد من خطورتها، إضافة إلى فرض قوانين بمنع انتشار السلاح وترخيصه، خاصة داخل القرى والتجمعات السكنية، والقيام بحملات توعوية من شأنها التعريف بمخاطر الاستخدام العشوائي للأسلحة.
من جهته قال الملازم أبو محمد (من الشرطة الحرة) إن حوادث كثيرة سببتها إطلاق العيارات النارية العشوائية في المناسبات، أوقعت ضحايا وجرى منهم أطفال صغار ورضع كما حدث في واحد من مخيمات تجمع الكرامة، مؤكداً أن الشرطة الحرة قامت خلال العام الماضي بـ 6 حملات توعوية شملت معظم مناطق الشمال السوري بعنوان “لا تقتلني بفرحتك”، وتضمنت توزيع بروشورات وإقامة ندوات حملت مجموعة من النصائح للتعريف بمخاطر هذه الظاهرة على حياة الأبرياء”.
وأضاف الملازم أن الشرطة الحرة بوصفها سلطة تنفيذية لا تستطيع سن القوانين الرادعة، إلا أنها قامت بالتواصل مع المحاكم المنتشرة في المنطقة لوضع قوانين صارمة تقضي بمحاسبة كل من يطلق النار بشكل عشوائي، كما اتبعت أسلوباً جديداً للتعامل مع هذه المشكلة، وذلك من خلال “تقديم هدايا للعريس ووالده باسم الشرطة الحرة”، في حال خلو العرس من إطلاق العيارات النارية، داعياً الأهالي للتعبير عن فرحهم بطريقة حضارية بعيداً عن إيذاء الأهالي وإزعاجهم.