عند وصولك إلى المكان تطالعك اللافتة الزرقاء على بابه (مركز شمال الثقافي المجتمعي.. حيث نجمة القطب.. وجهة البوصلة)، والنجم القطبي أو نجم الشمال هو اسمٌ يُطلق على ألمع نجمٍ قريبٍ من أحد قطبي الكرة الأرضية، يكون قريباً من محور دوران الأرض لدرجة أنه شبه ثابت، ويمكن معرفة الاتجاهات بواسطته.
يجمع الاسم الذي اختير للمركز الثقافي المُقام في منطقة سجو القريبة من الحدود السورية التركية، والتي تضم بين ظهرانيها عشرات المخيمات (النظامية والعشوائية)، بين الدلالة على أهمية التركيز على هذه المنطقة وسكانها بعد أن اقتصرت المساعدات المقدمة على سلة للإغاثة أو الصحة، وبين أهمية الثقافة ونشر الوعي الفكري والسياسي في تحديد بوصلتهم وبنائهم.
في الرواق تصطف الكتب على أرففه، إذ يضم المركز الذي تم تأسيسه في شباط من العام الحالي مكتبة تحوي على 176 كتاباً غالبها يختص بالسياسة، إضافة إلى كتب عن الاقتصاد والتاريخ وبعض الروايات والكتب المتفرقة، زادت في الآونة الأخيرة بواقع 100 كتاب تم اختيارها من خلال استبيان للقراء ورواد المكان، لتتناسب في موضوعاتها مع اهتماماتهم ورغباتهم.
على الجدران لوحات ورسومات وأشغال يدوية، وقاعات للحاسوب والدورات التدريبية وغرفة للفنون، وأخرى للإدارة وبوفيه لاستراحة كأس من الشاي أو القهوة.
ليست تلك التجربة الأولى لافتتاح مركز ثقافي في المناطق المحررة، بل تكررت خلال سنوات الثورة، إلّا أن خصوصية مركز “شمال” نابعة من التصاق جدرانه ومشاريعه بالخيام، كونه المشروع الأول لمركز ثقافي شبابي في المنطقة التي لا تقف على حدودها إلّا سيارات الإغاثة، متجاهلين الحاجة الفكرية والروحية لسكانها، والعمل على تمكينهم وتدريبهم وتأهيلهم للانخراط في سوق العمل والاكتفاء الذاتي، ناهيك عن أهمية المحاضرات الثقافية والسياسية والاجتماعية ودورها بتعزيز حقوق الإنسان وتمكين المرأة، وبناء جيل يمثل نواة حقيقية للشباب السوري الثائر والواعي في ظل الحرب.
يرتكز عمل “شمال” على ثلاثة محاور يلخصها مديره ضياء العبد الله بـ تمكين فئة الشباب (ذكور –إناث) من خلال دورات في الحاسوب واللغة (الإنكليزية -التركية) والرسم، بالإضافة للأشغال اليدوية والفنون والتطريز الخاصة بالإناث، وتكمن أهمية هذا المحور بتمكين الشباب ورفع قدراتهم، بحسب عمار علي (المسؤول الإداري في المركز)، والذي أضاف أن ثلاثة حزم تدريبية أقيمت في المركز منذ افتتاحه، بواقع حزمة تدريبية كل شهرين، يتلقى فيها المتدربون ثلاث جلسات أسبوعياً، يتم تحديد أوقاتها عن طريق النقاش بين المتدربين بما يتناسب مع ظروفهم، وذلك بعد الإعلان عنها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وإدارة المخيمات والمجالس المحلية القريبة.
كما يتشارك المتدربون مع إدارة المركز باختيار نوع الدورات والتي كان آخرها التدريب على كتابة المقال والسيرة الذاتية ومقابلة العمل، وتم الاتفاق مع المتدربين على الحصول على قسم من المنتجات، وخصوصاً الرسم بالفحم والرسم على الزجاج والأشغال اليدوية فيما يحصل المتدرب على القسم الآخر.
وعن الإقبال على هذه الدورات يقول العلي إن 600 متدرب ومتدربة خضعوا للتدريب خلال الأشهر الماضية، شكلت المتدربات 30% منهم، وبلغت حصة سكان المخيم نسبة 90% من مجموع المتدربين.
المحاضرات الأسبوعية التي اختيرت مواضيعها لتلامس الواقع السوي المعاش، وتعلقت بحقوق الإنسان والمرأة والوعي السياسي، إضافة إلى الأفلام الوثائقية وجلسات مناقشة الكتاب، مثلت المحور الثاني من عمل المركز، وبلغ متوسط عدد روادها 25 شخصاً أسبوعياً.
أما المكتبة فقد شكلت المحور الثالث، إذ فعل المركز آلية استعارة الكتب (يستطيع الشخص استعارة الكتاب خارج المركز لمدة 20 يوماً قابلة للتمديد لـ 15يوماً آخر بعد تسجيل البيانات وأخذ صورة عن الهوية الشخصية)، إضافة للقراءة داخل المركز.
ويرى العلي أن الإقبال على القراءة واستعارة الكتب شهد تحسناً ملحوظاً خلال الأشهر الأخيرة، إذ بينت السجلات أن متوسط الاستعارة بلغ (50 كتاباً) شهرياً، ما عدّه العلي ازدياداً في نسبة الوعي لدى فئة الشباب الزائر الأكبر لمركز “شمال” الثقافي.