تحاول علا ثني رجلها، دون جدوى، بعد أن اخترقت عدة رصاصات طائشة جسدها لتستقر واحدة منها في عظم الحوض مخلفة أربعة كسور، إضافة لكسر في عظم يدها اليمنى وقطع لأوتار رجلها اليسرى، لم يجل في خاطر الفتاة (16 عاماً) أنها ستمضي حياتها بإعاقة دائمة إثر “فوضى السلاح” المنتشر في محافظة إدلب، فـ علا تدفع اليوم ثمن خطأ ارتكبه (ابن عمها) وهو يصوب بندقيته إليها “مازحاً” لتنطلق منها عدة رصاصات كان من الممكن أن تتسبب في قتلها.
تقول علا إن قضيتها رهن الكتمان، خوفاً من ردة فعل أقربائها الذين منعوها من اتخاذ أي إجراء قانوني بحق مطلق النار، لتعاني وحيدة ألم الإصابة، ناهيك عن نظرة المجتمع لها بوصفها “عاجزة”، إذ لم تفلح العمليات الجراحية التي أجرتها في تركيا (10 عمليات) بأن تسترد “مشيتها”، وتحتاج إلى عمليات جراحية أخرى، حسب ما أخبرها الأطباء، إضافة للشائعات التي بدأت تطالها بـ “عدم قدرتها على الإنجاب”.
أما أحمد (11عاماً) فلا يزال يعاني من تبول لا إرادي، رافقه منذ انفجار قنبلة يدوية بيد أخته فاطمة (5 أعوام) عند محاولتها استكشافها، لينتزع صمام الأمان بيدها ويرديها قتيلة، القنبلة التي تركها والد أحمد، الذي يمتهن تجارة السلاح منذ خمس سنوات، بمتناول أيدي عائلته إضافة إلى عدد من الأسلحة التي تتوزع في أرجاء المنزل كانت السبب في إنهاء حياة الطفلة، والحرج الذي يرافق الطفل في كل ليلة وما يتركه من آثار سلبية في شخصيته، أيضاً قضية الطفلة القتيلة وأحمد بقيت طي الكتمان لاعتبارات عائلية.
ولفاطمة (22 عاماً) قصة أخرى بعد أن تعرضت لإطلاق نار عشوائي من قبل زوجها خلال شجار بين أفراد أسرته تطور إلى استخدام السلاح، اخترقت واحدة من الرصاصات الطائشة خاصرة فاطمة مسببة عطباً تاماً في الكلية وضرراً في الطحال وكسراً لفقرتين من العمود الفقري. سنة ونصف السنة عاشتها فاطمة ممددة على السرير، برفقة الألم الذي وصفته بأنه لا يطاق، واحتمالية إصابتها بالشلل، آملة أن تتعافى.
قوانين قاصرة ودعاوى طي الكتمان
شكل الانتشار الواسع للأسلحة الفردية في محافظة إدلب ازدياداً كبيراً في حالات القتل والإصابات العشوائية، مع غياب للقوانين الرادعة وفرض الترخيص على الأشخاص لحمل السلاح، وبات من المألوف رؤية شبان بأعمار صغيرة يحملون الأسلحة في البيوت وشوارع المدينة، إذ لا يكاد يخلو بيت من “قطعة سلاح” على حد قول المرشد النفسي “أبو حسين” والذي عزا ذلك إلى ظروف الحرب، فـ “الدفاع عن النفس وغياب الأمن” دفع كثر من أهالي المحافظة لاقتناء الأسلحة والتي تستخدم، أحياناً، بطريقة غير مسؤولة أو من قبل من وصفهم بـ “المراهقين”، كما أن وجودها في غير أماكنها المخصصة سبب بـ “فجائع” انتشرت قصصها في القرى والبلدات، كقتل أطفال لأنفسهم عن طريق الخطأ، أو التسبب بالإصابات والعجز الدائم لأحد أفراد الأسرة خلال اللهو بهذه الأسلحة.
وكانت حكومة الإنقاذ قد فرضت في حزيران الماضي رخصة على محلات بيع وتخزين السلاح في المحافظة، وذلك بعد انفجار متجر للسلاح في مدينة سرمدا أودى بحياة 60 مدنياً، إلّا أنها لم تفرض حتى الآن رخصة على حمل السلاح الفردي المنتشر بكثرة في المحافظة.
وحمّل الناشط المدني “أبو أحمد” المسؤولية للشرطة الحرة والقضاء لاتخاذ الإجراءات المناسبة لترخيص الأسلحة، ووضع الشروط اللازمة للسماح باقتنائها، تجنباً لمثل هذه الحوادث، أسوة بمناطق أخرى كمدينة الباب بريف حلب الشرقي والتي وضعت شروطاً خاصة للترخيص من شأنها الحد من انتشار السلاح، وتواجده بأيدي من يمتلكون الأهلية ويمتازون باللياقة الصحية (الباطنية والنظر) إضافة إلى المؤهل الدراسي أو شهادة محو الأمية وبيان بمبررات الترخيص.
يحدد القانون السوري عقوبة حمل السلاح بدون ترخيص بالسجن من (3-6 سنوات) وغرامة مالية تتراوح بين (10-50 ألف) ليرة سورية.
ويعتبر إطلاق العيارات النارية من العادات الشعبية المتوارثة في المجتمعات السورية للتعبير عن الفرح والحزن وفي المناسبات العامة، وكانت المنطقة قد شهدت حالات كثيرة لمناسبات انتهت بطريقة مأساوية إثر إصابات للمشاركين خلال استخدام السلاح، كحالة أمجد (10 أعوام) الذي قتل إثر نزيف حاد سببه سقوط مقذوف على رأسه في واحد من أعراس ريف إدلب، يقول الطيب محمد الجسري والمشرف على حالة فاطمة “إنها ليست الحالة الوحيدة من هذا القبيل، فمنهم من يحالفه الحظ ويصل المشفى، ومنهم من تتسبب الإصابة بإنهاء حياته”.
ليس هناك إحصائيات دقيقة لعدد حالات القتل والإصابات العشوائية في المحافظة، بحسب القاضي في محكمة ريف إدلب الجنوبي، فالدعاوى المرفوعة لا تمثل الأعداد الحقيقة، ومعظم الأهالي لا يلجؤون إلى القضاء في مثل هذه الحالات، وذلك لاعتبارات عائلية أو باعتبار أن ما حدث كان “دون قصد”، أو عن طريق الخطأ.
الخوف واحد من أهم الأسباب بعدم اللجوء إلى القضاء، يقول المرشد النفسي، وذلك خوفاً من ردة الفعل والانتقام، كذلك صلة القربى والاعتبارات والخلافات العائلية، تقول أم سائر التي تعرضت ابنتها (14 عاماً) لإطلاق نار أودى بحياتها من قبل زوجها إثر خلاف عائلي حصل بينه وبينها، إن زوجها (الهارب) قد هددها بالقتل إن أصرت على متابعة القضية التي رفعتها بحقه في المحكمة.
فوضى السلاح وغياب القوانين الرادعة والناظمة لانتشاره، شكل حالة من انعدام الأمن وزاد من مآسي كثر من العائلات، وهو ما يحتاج إلى “إطار قانوني” ملزم للجميع دون استثناء، إضافة إلى حملات توعوية بمخاطره.