قبل العرس بيوم واحد، يصبغ أصدقاء العريس يديه بـ “الحناء”، وفي اليوم التالي تبدأ تحضيرات العرس والزفة، يبدأ الحاج أبو أحمد حكايته عن طقوس الأعراس في الريف الجنوبي لمدينة إدلب، والتي غاب معظمها لتبقى حاضرة في الذاكرة بأغانيها وحكاياتها وفرحها، كنوع من “الفلكلور الشعبي”.
يبدأ العريس يومه بالذهاب إلى الحمام، ترافقه الأغاني وأبيات العتابا ليخرج منه بـ “زفة”، بعد ذلك يرتدي لباس العرس المكون من “جلابية مخرجة” مفتوحة من أمام الرقبة وحتى السرة ويتم إغلاق الفتحة بـ “كباسات” متوزعة على طرفيها، ومعطف يخاط من نفس القماشة، غالباً ما يكون لونها “أبيض أو كحلي أو بني”، إضافة إلى “النجاب” وهو غطاء الرأس، وفوقه “العقال” ويبدأ الحاضرون بالغناء “يا عريس يا بو العقال من وين صايد هالغزال، يا عريس يابو الحطة من وين صايد هالبطة”، في الطريق إلى منزله يرافقه الشبان من أصدقائه بالغناء “زينوا هالدار ومسكن الأمار ومسكن الغوالي، أطهار وأبرار” وعند وصوله تغني له نساء البيت “يا اخواتو غنولو، قناني العطر رشولو، جبنا البدلة لأبو أحمد وطلعت حلوي على طولو”.
في منزل العريس كانت تقام الولائم ويدعى إليها الناس، إما بسيطة أو فخمة ذات الذبائح الكثيرة، وذلك بحسب الحالة المادية لأهل العريس، وتفرش على سطح المنزل، وتتساعد نساء الحي في طبخ الطعام، ويعزم عليه الضيوف من القرية والقرى المجاورة، وحضرت الولائم في الغناء “لمين هالسفرة خضرة حشيشية، سفرتك يالعريس للضيف مبنية، بنوها أهل الجود والحنية”.
وبعد تجهيز العريس كانت تعقد حلقات دبكة مشتركة ما بين الرجال والنساء، يرتدي الرجال الجلابيات والنساء أثواباً فضفاضة، ويغطين رؤوسهن بغطاء، ثم يربطن جبهاتهن بقطعة من القماش تسمى “الكشخة”، ويرقص الجميع “الدبكة” على أصوات الغناء وقرع الطبل، وتعد أغنية “أم ردون من لتردون” أشهر أغاني تلك الحقبة من الزمن، ويقول عنها منشدها أبو طلال الموسى أنه حفظها عن والده الذي حفظها بدوره عن والده، ولا يعرف عمراً لهذه الأغنية، وفي كلماتها وصف جميل للمرأة وحالة العاشق وهيامه، تقول بعض مقاطعها “لا تهتيني بكتر الشيب، وهرجك عالمتلي عيب، وإن كنو شويكك جليب، وابكع ومباري الرعيان، عيون وساع وجدايل باع، عشرين دراع، التوب ردان، أم عوينة وكلابي، وبهواكي جسمي دابي”، وعن حالة المحب تقول “وبهواكي عفت روحي، وعفت أهلي وصحابي، عفت أهل وخلاني، وبهوا ريم الغزلاني، خدودا دبس بيراوي، وطولا رمح رنشاوي، مطعون هاتو مداوي، يا هل الله غاميق صوابي. يا هل الله قلبي مجروحي، وبهواها عفت روحي، لأجلا أنا لسوحي، واطفش على الروابي. واطفش على الدروبي، وبهواكي يا محبوبي، وشعر الأشقر خرنوبي، ومدلي للكعابي. ومدلي للقدامي، وعبد لصير خدامي، وبهواها صابتني وجاعا، ونسيت أنا بتيابي. وريد وصفها عالتمام وفرشلا ريش النعام، علوا من لفا ليلة ونام، وسكر عليها البابي”.
وفي الأغنية حديث غير مباشر عن الحب، فالجهر به كان من المحرمات، يقول أبو طلال، وفيها استحضار لمناطق وألفاظ يعرفها أهل المنطقة، وتعكس صور الحب القديمة، والطرقات إلى آبار المياه التي كانت ملاذاً للشبان لرؤية حبيباتهم، وتعتمد معظم الأغاني في لحنها على طريقة واحدة بالغناء لم يتغير مع الزمن، يستخدمها أهل معظم القرى في ريف إدلب، ويكتبون أغانيهم بما يناسبه، ومنها أغنية “الله يلومك يا الهوى” المنتشرة في قرى جبل الزاوية.
في الجانب الآخر تسير العروس من بيت أهلها إلى منزل العريس برفقة النساء اللواتي يقفن أمام بيوت، لا على التعيين، يطلبن “النقطة” ويقلن “يا صاحب البيت، نقطها بجهادي ومية ربعية” والجهادي تعني الذهب، فيعطيها صاحب البيت بعض النقود، يضحك أبو أحمد وهو يخبرنا أن زوجته جمعت (45 ليرة) حتى وصولها إلى منزله. لكن في حين كانت العروس ستزوج إلى منطقة بعيدة خارج القرية، فلا تخرج قبل أن يدفع عريسها مبلغ من المال لشاب من قريتها، ملقب بـ “شيخ الشباب” والذي يكون برفقة مجموعة من أصدقائه الذين ينصبونه زعيماً عليهم. يخبرنا أبو أحمد أن شيخ الشباب حصل على مبلغ 25 ليرة (وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت)، في ستينات القرن الماضي من عريس حمصي جاء لأخذ عروسه من كفرسجنه بريف إدلب، وما زالت القصة تتداول حتى الآن في المنطقة.
عند وصول العروس إلى منزل زوجها تغني النساء “كني يا رياح الشوق كني، يا بأيار يا بحزيران كني، تهني يا أم العريس جاكي اليوم كني، تسوا قمر شوال ورجب”، لترد نساء المنزل “ع لقلقة القلقة، ويا فليفلة معلقة والي ما بتصلي ع النبي، تصبح من جوزا مطلقة” ويبدأن بإطلاق الزغاريد.
عند وصول العريس وقبل دخوله إلى البيت تستقبله النساء بالقول “يا عريس ما قشيت دارك، ولا مديتها للغاوياتي، مديتها لست الحسن، تمشي والعيون مدبلاتي، لمين هالخنجر المنسوف بالزاوي، خنجرك يالعريس يا سبع ياغاوي”، وبعد دخوله تذكره أخواته بعدم نسيان والدته والحفاظ عليها “جبنالك ع البيت عروس ياخي، تاج ع الراس خليها، وأمك بيوم يا خي، دير بالك تنسيها”.
ينهي الحاج أبو أحمد حديثه بمقطع من أغنية يلخص حالة الحزن التي يعيشها لفقدانه الأحبة والأفراح العامرة التي باتت جزء من الذاكرة “يا هل الله قليبي مجروح، وعايش تيلي عمري عبنوح، عالغوالي ياهلي أنى مذبوح، علوا شوفن حتى لو تهجرني هالروح”.