تظاهر عشرات المدنيين، السبت الفائت، في مدينة جرابلس بريف حلب الشرقي، قاطعين بعضاً من طرقات المدينة بالإطارات المشتعلة، ومطالبين بمحاربة المفسدين واللصوص بشكل واضح، والذين لم تنل منهم الحملة التي أطلقها الجيش الوطني والشرطة العسكرية بمساعدة من القوات الخاصة التركية، منذ ثلاثة أسابيع، والتي لم تؤدي الغرض، على حد قولهم، بل كانت وسيلة للسيطرة وبسط النفوذ.
الحملة التي بدأت في 18 تشرين الثاني السابق وانتهت في 25 من الشهر ذاته تحت مسمى (حملة السلام)، والتي طالت المدن الرئيسية في الشمال والشمال الشرقي من حلب، بدأت في مدينة عفرين واستمرت لثلاثة أيام ترافقت باشتباكات وصفت بـ “العنيفة” كانت أكبر نتائجها طرد فصيل شهداء الشرقية إلى ريف إدلب، وإلقاء القبض على بعض من عناصره، إضافة لمن أسمتهم بعصابات السرقة والاختطاف (11 مطلوباً)، لتنتقل إلى مدينة الباب التي لم تشهد اشتباكات بعد تسليم المطلوبين لأنفسهم وعددهم ثلاثة عناصر، الأمر ذاته حدث في جرابلس (14 مطلوباً) والراعي (17 مطلوباً) وإعزاز (21 مطلوباً).
وإن كانت قيادة الحملة قد أعلنت عن تحقيق أهدافها باعتقال المفسدين والعناصر الخارجة عن القانون وتقديمهم للقضاء العسكري التابع للمحكمة العسكرية في هيئة الأركان، إلا أن معظم الناشطين والأهالي في المنطقة رأوا أن الحملة أخفقت في تحقيق ما قامت من أجله، خاصة بعد انتشار ظاهرة الخطف والقتل والسرقة والانفلات الأمني، وعبروا عن ذلك سواء على وسائل التواصل الاجتماعي أو من خلال المظاهرات السلمية.
الحديث عن فشل الحملة، أو على الأقل إخفاقها في تحقيق مطالب المدنيين، كان الأبرز على وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأسبوع الماضي، إذ عزا قسم من الناشطين فشلها لاشتراك عناصر ممن وصفوا بـ “الفاسدين البارزين” على رأسها، إضافة إلى عودة الحواجز العسكرية “سيئة الصيت” إلى أماكنهم بعد انتهائها، كذلك فشلها في تحرير عدد من المخطوفين الذين لا تعرف أمكنتهم حتى اللحظة كـ “الصيدلي إبراهيم رضوان” المخطوف منذ ما يزيد عن الشهرين، واستمرار حالة الفلتان الأمني في المنطقة.
ورأى بعضهم أن الحملة كانت عملية “بسط نفوذ للفصائل العسكرية المشكلة لفيالق الجيش الوطني على المنطقة، وملاحقة المجموعات الرافضة للانصياع”، في الوقت الذي غابت فيه عن أهداف الحملة وقف عمليات السرقة والإتاوات على الطرقات والتنمر، حتى باتت تلك الفصائل الحاكم الفعلي للمدن والبلدات، دون جهة مراقبة أو مسؤولة، وبتغييب واضح للمؤسسات المدنية في المنطقة.
تلك الأسباب دفعت الأهالي إلى موجة من السخرية والتهكم طالت الحملة، متسائلين عن إمكانية أن يعم الأمن والسلام بعد اعتقال ما لا يزيد عن 50 عنصراً في مختلف المناطق، واصفين ما يحدث بـ “المسرحية”، ففي الوقت الذي يهاجم به فصيل شهداء الشرقية (وهو كغيره من الفصائل له ما له وعليه ما عليه)، يكون على رأس الحملة قيادات كـ “أبو عمشة” بعد الاتهامات التي طالته خلال الأشهر الأخيرة بتجاوزات وانتهاكات كثيرة! ناهيك عن أسماء كثيرة أخرى.
وإذا ما كانت هيئة الأركان والحكومة السورية المؤقتة التي تحاول فرض نفسها بكافة السبل، جادة، في تطبيق الأمن والاستقرار في المناطق التي تخضع لسيطرتها في الشمال السوري، فهي بحاجة ماسة جداً لأمور عديدة لعل أبرزها حل الفصائل العسكرية والتي شكلت الجيش الوطني شكلياً، ولازالت تحتفظ براياتها وهيكليتها وسجونها الخاصة وقواتها الأمنية الخاصة، كما يتوجب عليها أن تطلق يد القوات التي لاقت استحسان المدنيين كالشرطة والأمن العام والشرطة العسكرية بشكل أكبر، كذلك يجب عليها إعادة هيكلة المجالس المحلية والتي يرى الكثير من المدنيين أنها أنشئت على أساس مناطقي وعشائري وعائلي.
لن تكون مظاهرة المدنيين في جرابلس الأخيرة، وليست الشكل الوحيد لرفض الفلتان الأمني والفساد الذي يضرب المنطقة، بل من المرجح أن تكون هناك حملات منظمة تسعى لمحاسبة وكشف الفاسدين والدعوة إلى الحياة المدنية وتحجيم لسلطة الفصائل العسكرية.
وفي البحث عن نتائج إيجابية مستقبلية للحملة العسكرية، أعادت قضية الناشط الإعلامي بكر القاسم وضع الحملة على المحك أمام الناشطين في المنطقة، بعد تعرضه لابتزاز من قبل قيادي في فرقة السلطان مراد يدعى أبو الليث، إذ حصل الأخير على معلومات شخصية ومعدات خاصة ببكر، وقام بابتزازه ومن ثم نشر بعض الصور الخاصة به على معرفات تلغرام. بكر لم يستعيد معداته ولم يتقدم بشكوى وباح بشكواه على الفيس بوك موضحاً عملية الابتزاز التي حصلت له، وناعياً ضياع حقه نتيجة لتسلط المجموعات العسكرية التي لا تخضع إلا لأهوائها.