شاركت المرأة السورية وخلال سنوات الثورة بمختلف مفاصلها، سواء في المؤسسات والمنظمات المدنية أو في العمل الإداري والسياسي، وأثبتت بعملها في القطاعات كافة حضوراً لافتاً، ويبقى العمل الصحفي من أهم القطاعات التي حضرت به المرأة، ليس على صعيد الكتابة فحسب، بل من خلال العمل الميداني بالرغم من الصعوبات الكبيرة التي واجهتها، وأهمها ارتفاع معدلات الخطر نتيجة القصف والمعارك ونظرة المجتمع السلبية تجاه عمل المرأة في قطاعات لم تعتد سابقاً إشغالها.
استطاعت “المواطنات الصحفيات” في سوريا الوقوف على أهم الأحداث الجارية، ونقل صور واقعية عن طبيعة الحياة الاجتماعية، خاصة في القضايا التي تهم المرأة، وتوثيقها من خلال عملهن، في كتابة التقارير الصحفية بمختلف أنواعها المرئية والمسموعة والمكتوبة، والوصول إلى أدق التفاصيل الخاصة بدراسة المرأة ومشاكلها الحياتية والنفسية، ساعدهم في ذلك، الراحة التي تصبغها طبيعتهم الأنثوية ومساحة الحرية في التعاون المعطاة من قبل المجتمع، الذي يرفض في كثير من الأحيان السماح للصحفيين (الذكور) بالوصول إلى مثل تلك التفاصيل، نظراً للحرج والبيئة المحافظة.
خالفت المواطنات الصحفيات النظرة الاجتماعية، التي كانت سائدة، بعدم قدرة النساء الابتعاد عن “طبيعتهم العاطفية” والتوجه نحو الكتابة العميقة والتي تقوم على أسس من البحث والتدقيق والتحقق، والتجرد من اللغة الأدبية باعتبار الصحافة “تقول ولا تصف”، وهو ما حشرها ولوقت طويل في كتابة الشعر والروايات وبعض الخواطر، إلّا أن التجربة السورية استطاعت تغيير هذه المفاهيم السائدة، لترى أسماء لإعلاميات يشاركن في نقل الخبر وكتابة التقارير والتحقيقات الاستقصائية.
وبالرغم من المعوقات التي واجهت عملهن، خاصة تلك التي تتعلق بنظرة المجتمع بشكل عام والعائلة بشكل خاص، إلّا أنهن “رفضن الركون إلى تصوير المرأة كضحية”، تقول الصحفية ريم الأحمد من مدينة معرة النعمان في ريف إدلب، والتي أكدت على “أحقية المرأة وحاجة المجتمع للمواطنات الصحفيات”، وهو حق لا يحتاج إلى دلائل أو إثباتات، بل يمكن معرفته بـ “إلقاء نظرة على جزء من عمل الإعلاميات في سوريا، والتقارير التي نشرنها وعالجن من خلالها قضايا نسائية مختلفة، كان من الصعوبة على أي إعلامي الوصول إليها”.
وهو ما أكدته حنين السيد (إعلامية من بلدة معرة حرمة في ريف إدلب)، التي اعتبرت “كاميرتها” أهم مقتنياتها الشخصية، فقد صورت من خلالها ونقلت للعالم صوت عشرات النساء، ومئات النداءات من زوجات ومعتقلات وأمهات لمعتقلين صمتن لوقت طويل. حنين التي نادت للحرية ونقلت بهاتفها المحمول أولى صرخات الحرية في جامعة حلب التي كانت واحدة من طالباتها، عملت على إقناع الكثيرات للقبول بالحديث عن حياتهن وتجاربهن الشخصية، والتعبير عن آرائهن وأحلام فئة من المجتمع وصفتها “بالحناجر المكبوتة” التي لا بد من إيصال صوتها والعمل على تلبية مطالبها، خلال سنوات من عملها في مجال الإعلام، وتسعى لتطوير عملها في كل يوم، بحضور الورشات التدريبية والقراءة التعلم.
أما الإعلامية ريم الأحمد فتقول “إن أكثر ما كان يؤلمها نظرة المجتمع لعملها بالكثير من السخرية”، ولا يقتصر هذا الرأي على الرجال بل تعدّاه إلى النساء، تكمل ريم التي طالما وُجهت لها انتقادات حول طبيعة عملها، “كانوا يوجهون لي الانتقاد ويشعرونني بالاستصغار، فالعمل الصحفي يحتاج إلى رجال”، لا تنكر ريم مرورها بحالات من الخوف واليأس أحياناً، حين تجد من المجتمع من يحارب عملها، لا لشيء سوى لكونها امرأة، محاولين في كل مرة بـ “قرارها الخاطئ” مؤكدين على فشلها، إلا أنها اليوم تشعر بالرضا لما حققته، وتغيرت نظرة الكثير من منتقديها بعد نجاحها وإصرارها.
الأمر ذاته عاشته الإعلامية بتول عبد الكريم التي اعتاد الناس على مشاهدتها تمشي لمسافات طويلة وهي تحمل معدات التصوير الثقيلة خاصتها، كانت تسمعهم وهم يصفونها بـ “الجنون”، عدا عن نظرات الاستهزاء واللوم في أعينهم، تقول بتول إن ذلك كان دافعاً لها على التحدي والاستمرار خشية إعطائهم فرصة للنيل من عزيمتها، تجد اليوم أن الأمر “يستحق كل هذا العناء”.
خضعت المواطنات الصحفية، لعدد من الدورات الإعلامية التدريبية، كما بتن يشكلن نسبة، ليست بالقليلة، من عدد طلاب معاهد الإعلام في جامعات الشمال السوري (ما يعادل ربع عدد الطلاب)، لاكتساب الدراسة الأكاديمية اللازمة وتعزيز الخبرات التي اكتسبنها من خلال عملهن.