ليست “الجمعة السوداء” التي تصادف مرورها منذ أيام، و(هو يوم للتسوق ينتشر في كثير من دول العالم، تعرض فيه المحال التجارية حسومات على منتجاتها قد تصل إلى 90%)، هو ما تشهده المحال التجارية في مدن وبلدات الشمال السوري، والتي أطلقت مبادرة جديدة تحت عنوان “كن مع الفقير”، وإن تشابهت بالآلية (الحسومات على السلع وتخفيض الأسعار)، إلّا أنها تختلف بالهدف الذي تسعى من خلاله إلى تمكين ذوي الدخل المحدود من الحصول على حاجياتهم بأسعار مناسبة، وتخفيف العبء عن المواطن الذي أثقل كاهله “ارتفاع الأسعار” وضعف “الدخل” وغياب “فرص العمل”.
البداية كانت من سراقب، وبمبادرة فردية من صاحب أحد المحال التجارية للخضار، الذي أعلن منذ شهر تقريباً وعبر “لافتة مكتوبة” إمكانية الحصول على الخضار والفواكه لمن لا يملك ثمنها، دون مقابل، لتلاقي هذه المبادرة استحساناً وانتشاراً كبيراً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما أدى إلى تحول هذا العمل الفردي إلى شكل من أشكال الحملة الجماعية تحت عنوان “كن مع الفقير”، انتشرت في بلدة قلعة المضيق (شمالي حماه)، شارك فيها عدد من أصحاب المحلات التجارية ومطاعم الوجبات السريعة، ليصل أثرها إلى بلدات وقرى محافظة إدلب وريف حلب الغربي.
الشيخ “فضل العكل” من (مدينة كفرنبل) يقول: “كن مع الفقير، هي مبادرة طيبة من قبل أهل الخير في الشمال السوري المحرر لمساعدة الفقراء والمحتاجين لتمكينهم من شراء ما يحتاجون إليه، في ظل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة، لا سيما مع توقف العديد من المنظمات عن تقديم المساعدات للفقراء والمهجرين قسرياً”.
تعدّت الحملة، في الأيام الماضية، المواد الاستهلاكية والوجبات السريعة لتطال قطاعات جديدة من محال (الألبسة الجديدة والمستعملة والحلويات والمعجنات والعطورات والهدايا وصالات الانترنيت)، كما شملت تخفيضات على أجور المنازل وأسعار الأدوات الكهربائية وألواح الطاقة الشمسية، وشارك فيها عدد لا بأس به من أصحاب الفعاليات الاقتصادية في مختلف المناطق الذين “يزيدون في كل يوم” بحسب العكل الذي تمنى على “جميع أبناء المنطقة الاشتراك فيها وخاصة القطاع الصحي من أطباء وصيادلة”.
لا توجد نسب مفروضة للاشتراك في الحملة، وتباينت قيمة الحسومات بين متجر وآخر، إذ انخفضت أسعار بعض الأصناف 50% في بعض المتاجر، كأسعار عروض شبكات الأنترنيت والوجبات السريعة كالفروج المشوي، أما بالنسبة للملابس الجديدة والمستعملة(البالة) ومحال الخضار والفواكه فقد لجأ بعض أصحابها ممن شاركوا في الحملة إلى بيعها دون أي زيادة عن سعرها الأصلي، كما وانخفض سعر الفروج الحي قرابة 20% عن سعره السابق، لـ يبقى صاحب المتجر هو المخول بتحديد قيمة الانخفاض، كون الحملة لا تُرعى من قبل جهات رسمية كالمجالس المحلية أو منظمات المجتمع المدني، وإنما هي مبادرة من قبل أهل الخير.
انعكست آثار هذه الحملة التي ستستمر لمدة شهر قابل للتمديد، بحسب أصحاب المحلات، بشكل إيجابي على حياة المواطن في الشمال السوري ذي الكثافة السكانية المرتفعة، ويرى معظم من قابلناهم من أهالي المنطقة فيها “فرصة لتعزيز الثقة والمحبة بين المواطن وأصحاب المحلات”، وفرصة “لتلبية الكثير من احتياجات الأهالي من الفقراء وذوي الدخل المحدود”، خاصة وأن معظم السكان في الشمال السوري يعيشون “تحت خط الفقر”، وفق دراسات أكدت أن دخل الفرد فيها لا يتجاوز 100 دولار.
حققت الحملة “انتعاشاً” في السوق المحلية الراكدة، بحسب الخبير الاقتصادي فادي اليوسف، الذي قال إن “مثل هذه الحملات والمبادرات تساهم إلى حد كبير في انتعاش الاقتصاد المحلي” ذاكراً أن “تجارب مماثلة تجري في الأسواق العالمية لتحريك السوق”، مع فارق وحيد “أن حملة كن مع الفقير كانت بدافع إنساني فطري، ولم تكن للتخلص من البضائع الموسمية أو بغاية تحقيق الربح” على حد قوله، وهذا ما سهّل انتشار الحملة لتطال كافة القطاعات الاقتصادية دون استثناء.