بين “شباط/ين” فارق كبير في التجربة التي عاشها شبان من حي الوعر الحمصي في ناديهم الشبابي، تخللها الكثير من المصاعب والعوائق، والسعادة والأمل، وإن اختلفت التجربة بين الحصار والتهجير، فلكل منهما همومه وإيجابياته، إلّا أن ما يبعث “الثقة” في نفوس مؤسسيه، “أن النادي ما زال قائماً” حتى اللحظة.
اختار مؤسسو النادي الشبابي من وافدي حي الوعر بمدينة حمص، مدينة الباب بريف حلب الشرقي، لإعادة افتتاح ناديهم، في شباط 2018، وذلك “للكثافة السكانية والتنوع الديموغرافي” الذي تمتلكه، بعد أن أصبحت مركزاً للوافدين القادمين من مختلف المحافظات السورية التي نزح وهُجر قسم كبير من عائلاتها، خلال السنتين الماضيتين، آملين “تكرار التجربة” التي بدأت في شباط 2014، في حي الوعر المحاصر، والتي شكّلت ملتقى ثقافياً هاماً، وصالوناً فكرياً لتبادل النقاش والأفكار، ومكاناً للقراءة، إضافة إلى الدور التعليمي المدرسي، والخبرات العملية.
وعن هذه التجربة يقول علاء بيطار (واحد من مؤسسي الناديين) إن الهدف الرئيس من افتتاحه كان “الاستفادة من الحرية التي مكنتهم من افتتاح نادٍ ثقافي، لتجميع الشباب وتوجيه اهتماماتهم إلى قضايا فكرية وثقافية ودينية، والابتعاد بهم نحو الأمان، وتوعيتهم للابتعاد عن الأفكار الدخيلة التي من شأنها هدم الجيل ومحاربة الثورة”، وذلك من خلال “القراءة والتعلم والنقاشات والحوارات والندوات” التي يقيمها النادي.
يعمد النادي إلى إجراء خمس جلسات يومية لـ “قراءة الكتب ومناقشتها”، من الساعة الرابعة عصراً وحتى الحادية عشرة ليلاً، ويخصص النادي جلسة لساعتين (كل يومين) بين الساعة الحادية عشرة والواحدة ظهراً، للنساء، ويقدم النادي دروساً في المحاسبة وإدارة الأعمال. كما فعّل النادي غرفاً عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، للوصول إلى أكبر شريحة من الناس، يتم فيها طرح “ملخصات” لبعض الكتب، لحض الشباب على العلم والتعلم، وتقديم أفكار هذه الكتب بأقل عدد ممكن من الكلمات، ليتسنى للجميع التعرف عليها ومناقشتها، وقد تم حتى الآن تلخيص (80 كتاباً) من قبل المسؤولين عن هذه التجربة.
جلّ زائري النادي الجديد، من رواده القدامى في حي الوعر، يقول خالد أبو المعتصم (واحد من الرواد)، إذ يشهد النادي إقبالاً ضعيفاً من أهالي مدينة الباب أو الوافدين من مناطق أخرى، وهو ما “يستغربه” أبو المعتصم الذي يفترض “أن يكون الٌإقبال كبيراً”، خاصة وأن مدينة الباب “تقع في منطقة ثورية، وتضم الكثير من الناشطين والمثقفين”، الذين يقع على عاتقهم “تشجيع الناس على التعلم، والرفع من سويتهم الفكرية”.
إضافة إلى قلة “عدد رواده” يعاني النادي من قلّة في عناوين الكتب الموجودة فيه، إذ يضم الآن ما يقارب (1000 عنوان، معظمهما من الكتب الدينية وكتب اللغة العربية”، تم تهريبها من النادي المحاصر القديم، بعد أن رفضت قوات الأسد السمح لهم بإخراجها، فتم تهريبها داخل “كراتين” مع الأهالي أثناء خروجهم، ما تسبب بضياع قسم كبير منها، وفقدان قسم آخر، إضافة إلى إعادة القائمين على المركز الكتب “التي استعيرت” من الأهالي، آنذاك، لأصحابها.
يقول البيطار “إن مكتبة النادي تم تجميعها من أصدقاء ورواد النادي وقتها، ومن الكتب التي وجدت في البيوت المهدمة نتيجة القصف، أو برسم الأمانة من أشخاص كانوا قد تركوا الحي، وتنوعت بين كتب الشريعة الاسلامية واللغة العربية والإنكليزية، والأدب والفلسفة والسياسة والتاريخ بالإضافة إلى قصص الأطفال وبلغت حوالي 1500 كتاباً”، ويسعى النادي لترميم النقص الحاصل في الكتب إلّا أن “خلو المنطقة من المكتبات وغلاء الكتب في حال تم إحضارها من الدول المجاورة حالا دون ذلك، خاصة مع افتقار النادي لأي شكل من أشكال الدعم من قبل المنظمات”.
يتذكر البيطار “أيام النادي المشرقة” في حي الوعر، فبالرغم من الظروف القاسية في الحصار وصعوبة تأمين المستلزمات الفنية من ورق وحبر وطابعات وأقلام، ناهيك عن انعدام الأمان، فقد تم إعارة (2000 كتاب) خلال عام واحد لرواد النادي الذي شهد وفرة في الخدمات الثقافية والمعرفية والتعليمية في الشقة التي خصصت له، وقسمت بعناية إلى قاعات للمحاضرات والمطالعة ومكتبة إضافة إلى المقهى ومكتب الدورات التعليمية والمصلى والانترنيت، ليحاكي المراكز الثقافية العالمية، سواء في الشكل والتنظيم أو من خلال النشاطات والفعاليات، في حي لا تتجاوز مساحته 2 كم، وهو ما دفع القائمين على النادي للاستمرار بالتجربة والبحث عن حلول وأساليب جديدة لترغيب الأشخاص بارتياد النادي والمشاركة في نشاطاته وفعالياته.