تجاوزت عقبات الزواج في محافظة إدلب وريفها (المهور الغالية وتأمين السكن المناسب والتكافؤ المادي والمعنوي) وتخطتها ليصبح “ترك القتال” شرطاً أساسياً لدى بعض العائلات لقبولهم بتزويج بناتهم، إثر تجارب “مريرة” عاشتها نساء كثيرات في المنطقة، بموت أزواجهم في المعارك، وتحولهن إلى “أرامل” في ظل مجتمع “يضيق الخناق على المطلقات والأرامل، ويقلل من فرصتهن بالزواج”، إضافة إلى الظروف الاقتصادية القاسية التي يعيشها الأهالي ما يشكل عبئاً جديداً “ينوء الآباء عن حمله”.
“لست مضطراً لتزويج ابنتي من رجل مجهول المصير” يقول والد رؤى (من قرية البارة بريف إدلب)، الذي اشترط على “خالد” تركه القتال للقبول بمصاهرته، فحياة المقاتل في “خطر دائم”، وهو ما رفضه خالد “المقاتل في صفوف الجيش الحر” والذي “ضحّى بحبه” لصالح قضيته التي يقاتل من أجلها، على حد قوله، الأمر الذي فاجأ رؤى ودفعها إلى التخلي عن خالد (خطيبها منذ سنتين) بعد رفضه لطلب والدها بالرغم من “حبها الكبير له” كما تقول.
لا يريد والد رؤى تكرار مأساة ابنته الكبرى التي قتل زوجها أثناء تحرير “خان شيخون”، تاركاً زوجته (24 عاماً) وطفليه لمصيرهم، فـ “أخت رؤى ما زالت تتجرع مرارة التجربة بالعيش وحيدة مع طفليها في بيت صغير وظروف صعبة، بعد رفضها للزواج من رجل آخر”، تقول “أجد صعوبة كبيرة في حياتي كأرملة في مجتمع يراقب كل تصرفاتي ويحسبها عليّ، ناهيك عن تأمين متطلبات الحياة لي ولأطفالي”.
من جهة أخرى يوافق العديد من الناس على تزويج المقاتل في إدلب وريفها غير مبالين بالمستقبل أو خائفين منه، عامر من معرة النعمان يفتخر بصهريه المقاتلين في الجيش الحر، يقول “أشكر جهودهم بالدفاع عن المناطق المحررة، فلولا وجود أمثالهم لوقعت المنطقة في أيادي جيش النظام منذ زمن بعيد”، ويضيف موضحاً “من الظلم أن نحرمهم من حقوقهم بالزواج وهم يدافعون عنا وعن حدودنا”. وهو ما دفع لينا (24 عاماً من كفرنبل) للإصرار على القبول بالزواج من (أحد المقاتلين) بالرغم من رفض أهلها له، واصفة حياتها معه بـ “السعيدة”، دون أن تخفي “قلقها” عليه عند خروجه للقتال.
سعادة فقدتها زميلتها رابعة 25 عاماً بعد إصابة زوجها في واحدة من المعارك وبتر رجله، ليصبح “شبه معاق عن الحركة”، ما اضطرها للعمل لتغطية مصروف عائلتها.
ازدياد نسبة الأرامل في المحافظة، نظراً لموت الكثير من الرجال في المعارك والقصف (ازدادت نسبة الأرامل في كفرنبل 70%، بحسب وليد أحد أعضاء المجلس المحلي في المدينة)، ساهم في تضييق الخيارات أمام الأهالي والنساء، وهو ما دفعهم إلى القبول بالزواج وفق الظروف المتاحة، تقول رشا (28 عاماً) إنها قبلت بالزواج من شقيق زوجها المتوفى “رغم رفضها في البداية”، وذلك “لمصلحة أولادها وبقائها بجانبهم”، واصفة خطوتها “بالزواج الذي لا يروق لها”، وتعتقد رشا “إن السبب في الحال التي وصلت إليه قبولها بالزواج من مقاتل سابقاً”.
لذات السبب أقنع والد ريم (من قرية بسقلا) ابنته (المطلقة) بالزواج من “مهاجر أذربيجاني”، مرجعاً السبب “لم يكن أحد ليرغب بالزواج من ابنتي بعد طلاقها”، ريم اليوم أرملة بعد وفاة زوجها “المهاجر” منذ شهرين، بعد معاناة مع مرض القصور الكلوي إثر إصابته في واحدة من المعارك، بينما تعيش صديقتيها رانيا ومنى (من نفس القرية) برفقة زوجيهما المهاجرين بـ “سعادة” تقول منى “لقد وعدني بالبقاء هنا في سوريا حتى لو انتهت الحرب”.