تفرّق الجيران من أمام منزل أبو عبدو، في قرية كفرسجنة بريف إدلب، ما إن تناهى إلى أسماعهم صوت “أبو محمد” معلناً وصول المياه إلى الحارة، على عجل فُتحت معظم صنابير المياه في البيوت وحدائق المنازل، لتعبئة “الجب” وملء البراميل وسقاية الأشجار، بينما استغلت النساء وصول الماء للغسيل واستحمام الأطفال، وتحوّلت الحارة إلى “خلية نحل”، في الوقت الذي لم يغير “أبو عبدو” جلسته ولم يتزحزح من مكانه “مراقباً” ما يحدث، فالرجل “قد حفر بئراً في منزله وأراح نفسه من عناء انقطاعها” قالت أم دياب التي تندب حظها وهي تصرخ في وجه زوجها لـ “مراجعة المجلس المحلي وحل مشكلة المياه التي لا تصلهم”، يتأفف زوجها وهو يخبرها “أنه راجع المجلس عشرات المرات، وفي كل مرة يقوم بتسجيل شكوى، ويعده المجلس بمعالجة الموضوع، دون جدوى”، في حين يسارع أبو علاء بإصلاح صنبور مياه “الفيجة” كما يُطلق عليها في القرية، قبل أن تنتبه زوجتها وتبدأ بـ “النق” على حد قوله.
مشهد “وصول المياه” إلى القرية، يبدو لوحة من “الضحك والألم” في آن واحد، فمرتين شهرياً تصل المياه إلى المنازل عبر شبكة الأنابيب القديمة الموصولة إلى البيوت، والتي تأتي إلى محطة البلدة من آبار خاصة بالمجلس المحلي، ويتم تزويد البيوت بها، بشكل دوري، (من الساعة الحادية عشر ليلاً وحتى الثانية عشر من ظهر اليوم التالي، وبكلفة 1000 ليرة سورية شهرياً لكل منزل يتقاضاها المجلس المحلي) لا يفي بالغرض، ولكنه يحلّ مشكلة ارتفاع أسعار المياه وشرائها، ويساعد على التخفيف من الأعباء المالية.
ويعتمد الأهالي، إضافة للمياه الواصلة عبر الشبكة، للحصول على المياه عن طريق المجلس المحلي، وذلك بالتسجيل على “صهريج” ضمن قسم الخدمات، والذي يتقاضى مبلغ 1500 ليرة مقابل (25 برميلاً من المياه)، وهو سعر منافس “للصهاريج الخاصة” والتي تتراوح كلفتها بين (2500-3000 ليرة)، ويعتمد عليها الأهالي في الأيام الطويلة التي يحتاجونها لوصول “صهريج المنزل”، كما يعتمد الأهالي على “مياه الجمع من المطر في الشتاء”، عبر أنابيب “مزراب”، موصولة إلى “الجب” في المنزل، من أسطح المنازل.
يقول أبو محمد مدير محطة المياه “إن مشكلة المياه تتحسن تدريجياً، وفي طريقها للحل”، وذلك بعد “التعاون الحاصل بين المجلس المحلي في القرية مع مكتب الخدمات في مدينة خان شيخون لحفر بئر ارتوازي جديد، بعد توفر فائض مالي”، ولتحقيق هذا المشروع تم تشكيل لجنة استشارية لدراسة الجدوى الاقتصادية من حفر البئر، إضافة إلى دراسة جيولوجية لتحديد مكان الحفر في البلدة، وجهز المجلس المحلي مولدة كهربائية وقساطل وكبل وغيرها من المعدات لتلك الخطوة، وتخفيف الأعباء عن المواطنين وكلفة المحروقات، فمعظم الآبار تبعد ما يقارب 3 كم عن القرية، إضافة إلى الحاجة المتزايدة للمياه في المنطقة.
بلغت كلفة حفر البئر الذي وصل عمقه إلى (371 متراً) 3200 دولاراً، واحتاج إلى 17 يوماً من العمل للوصول إلى المياه الجوفية، بحسب مصطفى الرجب (المشرفعلى حفر البئر).
تعتمد شبكة المياه في القرية على 6 آبار جوفية متوزعة (2 في كفرسجنه و4 في قرية الركايا المجاورة)، إذ يتم استخراج المياه من هذه الآبار ودفعها بخط ضخ رئيسي إلى المحطة الموجودة في الحي الغربي من القرية، والتي تقوم بتجميع المياه الواصلة من الآبار وضخها إلى “الخزان العالي” في الحي لشرقي، ومنه توزع المياه على منازل القرية بواسطة الشبكات، بحسب مدير المحطة الذي أضاف أن المياه تصل مرتين شهرياً إلى كل منزل، يشرف على العمل محطة المياه المكونة من “مدير وعامل صيانة وجابي للفواتير” وتتبع إدارياً لمكتب المياه في خان شيخون، والذي يقدم رواتب المعلمين والكلفة التشغيلية ومراسلة المنظمات لدعم المياه وإيصالها بأقل الأثمان إلى الأهالي.
لا تصل المياه إلى كافة البيوت في القرية، وذلك لأسباب تتعلق بالبنية التحتية للشبكات الممددة تحت الأرض، إذ لا يملك مكتب المياه الآليات اللازمة لغصلاح هذه الشبكات، أو توفير شبكات جديدة، فيما اقتصر عمل منظمة الإحسان والتي استجابت لمناشدات المكتب على صيانة الشبكة القديمة، يضاف إلى ذلك التوسع العمراني الذي شهدته القرية، ما يفرض إيجاد حلول لمد شبكات جديدة تصل إلى هذه البيوت، لتبقى مشكلة انقطاع الكهرباء العائق الأهم الذي يواجهه مكتب المياه والذي يتطلب كلفة كبيرة من الوقود لعمل المحطة.
غياب المياه لفترات طويلة وعدم وصولها إلى كافة الأهالي، أدى إلى اجتراح الأهالي لبعض الحلول لتوفير المياه، بحفر آبار سطحية من (70-80 متر) إلّا أنها تعاني من النزوح والهدم، إضافة لكلفتها المرتفعة، وهو ما عبر عنه واحد من سكان القرية (حفرت بير ارتوازي وكلفني 5500 دولار، ودوبوا يعبيلي خزان مي بالنهار).