يتأمل فراس (معلم المرحلة الابتدائية في واحدة من مدارس إدلب) طُلابه وهم يضعون أيديهم في ثيابهم بحثاً عن الدفء، يحاول إخفاء معالم وجهه المليئة بـ “اليأس” فالبرد هذا العام “أهون المشاكل” يقول، بعد أن قامت مديرية التربية الحرة في المحافظة بتأهيل عدد من المدارس، بحسب استطاعتها، بالمقاعد والنوافذ والبنى التحتية الأساسية تاركة “المعلمين” لمواجهة قدرهم في “البحث عن مصدر رزق” بعد أن توقف الدعم “الرواتب”، في الوقت الذي يتنامى فيه عدد الطلاب في مدارس المحافظة والذي يُتوقع أن يصل إلى 450 ألف طالب بارتفاع يصل إلى 15% عن العام السابق، وضعف في البنى التحتية وافتقار للمستلزمات من “قرطاسية وكتب مدرسية”، بحسب محمد الحسين معاون مدير التربية.
إيقاف الدعم يُهدد العملية التعليمية
أعلنت منظمة “كومينكس” الداعم الرئيسي للقطاع التعليمي في إدلب عن إيقاف دعمها للكوادر والمجمعات التعليمية، منذ أشهر، وبالتدريج، وحذا حذوها المنظمات الأخرى، في خطوة اعتبرها معاون مدير التربية، إن استمرت، “ستخرج كافة المجمعات التربوية عن سلطة الإدارة الموحدة لمديرية التربية” ما سيؤدي إلى “انتشار الفوضى، وانهيار العملية التعليمية بشكل عام”، واصفاً “استمرار الكوادر التدريسية بالعمل التطوعي، بالمنقذ لاستمرار العملية التعليمية وثباتها” حتى اللحظة.
وأضاف الحسين “إن الدعم توقف تدريجياً ومنذ العام الدراسي السابق عن 8000 مدرّساً، منهم 4300 كانوا يتقاضون رواتبهم من مديرية تربية إدلب الحرة بدعم من منظمة كومينكس بواقع 120 دولار شهرياً، و3700 مدرس يتلقون رواتبهم من منظمات كانت تعنى بالشأن التعليمي، على شكل عقود سنوية لمدة ثمانية أشهر (لا يتقاضى المعلمون رواتبهم عن الفترة الصيفية)” بينما يتوزع باقي المدرسين على فئتين: المتطوعون الذين كانوا يعملون بلا عقود ولا رواتب (وعددهم ما يقارب 3400) وقامت مديرية التربية، بمساعدة من مؤسسات المجتمع المدني، بتأمين بعض المساعدات لهم كالسلل الإغاثية، والمعلمون الذين يتقاضون رواتبهم من مديرية التربية في مناطق حكومة الأسد والذين يقارب عددهم 10600 معلماً ومدرساً.
عقبات توقف الدعم
غياب أي مؤشرات لتأمين “داعم” في المستقبل القريب، واتساع رقعة المدارس، وتوقف دعم المنظمات، يمثل التحدي الأكبر الذي تواجهه مديرية تربية إدلب مع بدء العام الدراسي، وهو ما أدى إلى ترك عدد كبير من الكوادر التدريسية لعملها، واحتمالات بقرارات مماثلة من معظم مدرسي المنطقة، فهناك “ضعف في الالتزام من قبل المدرسين لغياب الدعم المالي” يقول الحسين، خاصة وأن هذا الكوادر “كانت تعاني سابقاً، من ضعف الدخل الشهري، وعدم تناسبه مع موجة الغلاء وارتفاع الأسعار في المحافظة”، مؤكداً أن المديرية “لم تعمل على تخفيض عدد المدرسين نتيجة الأزمة المالية، وتسعى لتأمين كوادر متطوعة لملء الشواغر في المدارس منذ بداية العام الدراسي”.
يقول واحد من المدرسين في مدرسة كفردريان “إن الدعم قد توقف عن المدرسة والمدرسين منذ مطلع الشهر الماضي، وهو ما يهدد باستمرار العملية التعليمية لأكثر من 670 طالباً وطالبة و25 من الكوادر التعليمية والإدارية”.
تدوير للكتب وعتبة النقص تجاوزت 15%
يُخيّم الحزن على وجه الطفل محمد بعد أن تبدد حُلمه بوضع كُتب جديدة في حقيبته، حاله كحال آلاف الطلبة الذين سيحصلون في، أفضل الأحوال، على كتب قديمة، معظمها، تالف، وذلك بعد أن أعلنت “المنظمة الداعمة المتكفلة بطباعة الكتب المدرسية عن توقفها عن الطباعة”، بحسب أنور السعيد، مدير دائرة المطبوعات في مديرية التربية، والذي قال “إن أزمة نقص الكتب المدرسية ستكون أكبر هذا العام”، ففي العام الماضي ومع توزيع (7 ملايين كتاب بقيمة تجاوزت 5 ملايين دولار) من قبل وزارة التعليم في الحومة المؤقتة على كافة المناطق المحررة، عانت المدارس من شح الكتب المدرسية، خاصة مع تعرض الكتب القديمة والتي تم تدويرها للتلف، فباتت غير صالحة للاستخدام.
ويأمل السعيد أن تعاود المنظمة طباعة الكتب، وذلك بعد “معاودتها قبل أسابيع طلب التقارير والبيانات باحتياجات المدارس من الكتب”، إلّا أنه يؤكد “عدم البدء بالطباعة حتى اللحظة، وهو ما سيؤخر العملية التعليمية، إن طبعت الكتب” فالطباعة تحتاج إلى ما يزيد عن “الشهرين” قبل وصولها إلى الداخل السوري، وهذا يعني “أنها لن تصل قبل بداية العام الجديد”، لافتاً “أن نسبة عجز المديرية عن الطباعة وصلت إلى 100%، لارتفاع الكلفة (تحتاج المدارس إلى مليون ومئة وخمسين ألف دولار لطباعة الكتب، إذ تبلغ نسبة العجز في تأمين الكتب بين 15-20% في كافة المدارس)، وتوقف الدعم ، بشكل شبه تام عن المديرية”.
وتعمل مديرية تربية ادلب على وضع خطط للحدّ من أزمة نقص الكتب الدراسية، من خلال تدوير الكتب القديمة، مع تخوف من تعليق العمل في المدارس التعليمية كما حصل في مدارس تجمع “مخيمات لأجلكم” العام الفائت.
المدارس مراكز إيواء مؤقتة للنازحين
شكّل تحويل المدارس إلى مراكز إيواء مؤقتة وملاجئ لمئات العائلات من النازحين مشكلة أخرى واجهت الواقع التعليمي هذا العام، بعد ارتفاع نسبة أعداد الطلاب واكتظاظ المدارس بالطلاب بما يزيد عن طاقتها الاستيعابية، ما دفع مديرية التربية والتعليم في ادلب لإبلاغ مديرية الإغاثة بضرورة تسليم تلك المدارس ليُعاد افتتاحها من جديد.
وقال مسؤول مراكز الإيواء المؤقتة في مديرية الإغاثة بإدلب، عبد الرزاق شعار لــ فوكس حلب ” أن هناك دراسة مقترحة لنقل النازحين المقيمين في مراكز الإيواء المؤقتة إلى منازل سكنية مستقرة”، وأضاف ” بلغ عدد مراكز الإيواء في مدينة ادلب 16 مركزاً بين مدارس ومباني حكومية، وتُعتبر تلك المراكز بمثابة سكن مؤقت ريثما يتم تأمين مسكن من قبل العوائل أو من قبل مديرية الإغاثة عن طريق المنظمات الداعمة”.
استعدادات جديّة
يقول معاون مديرية تربية إدلب “إن ما يقارب 735 مدرسة من أصل 1426 مدرسة في محافظة ادلب تعرضت للقصف والعمليات العسكرية، بينها 230 مدرسة تضررت وتهدمت بالكامل، لتتجاوز نسبة الدمار في المنشآت التعليمية نسبة 60% “، وعملت مديرية التربية على بدء إعادة تأهيل المدارس المتضررة، وتنظيف المدارس السليمة وتأمين مستلزماتها من مقاعد وخزانات للمياه، لتبقى مشكلة تأمين وقود التدفئة خوفاً يؤرّق القائمين على قطّاع التعليم.
وأكد الحسن أن “محاولات جديّة تجري مع عدد من المنظمات لتأمين وقود التدفئة للطلاب، حيث شهدت المدارس الأعوام الفائتة تغطية طفيفة بمادة الديزل” مشيراً إلى أن “مدارس محافظة إدلب أصبحت مؤهلة بشكل جيد لاستقبال العام الدراسي الجديد”.
مشاريع تعليمية للحدّ من التسرب
ارتفعت نسبة الطلاب “المتسربين من المدراس” في محافظة إدلب، مع توقعات بزيادتها في العام الحالي، لأسباب عديدة أهمها “ضعف التزام المعلمين المتطوعين بالدوام، وعدم استقرار السكان، وغلاء الأسعار، والفقر” وهو ما دفع كثر من الأهالي إلى “منع أطفالهم من الذهاب إلى المدارس، وإلحاقهم بسوق العمل، لتغطية نفقات عائلاتهم”، مع سيطرة شعور عام بـ “عدم الجدوى من التعليم”، خاصة مع غياب الاعتراف الدولي بالشهادات التعليمية، وتراجع التعليم في المدارس لوجود كوادر “غير مؤهلة” تقوم بالعملية التربوية، يقول عدد من الأهالي الذين التقيناهم.
وكانت وحدة تنسيق الدعم التابعة للأمم المتحدة قد أشارت في إصدارها الرابع عن المدارس في سوريا لعام 2018، حمل عنوان ” التعليم في سوريا .. أكثر من سبع سنوات محنة بلا هوادة”، إلى أن 22% من المدارس في سوريا مدمرة، و26% من المدارس غير آمنة، حيث يتوزع المنهاج ببين 34% منهاج الحكومة السورية المؤقتة، و44% منهاج النظام، و22% مناهج أخرى، ولم تشهد 84% من المدارس توزيعاً للحقائب المدرسية، في حين تشكل عمالة الأطفال نسبة 31%. من الصعوبات التي يواجهها الأطفال.
تحاول مديرية تربية إدلب الحد من تسرب الأطفال عن المدارس، وإيجاد حلول لرفع “سوية الطلبة الذي عانوا من فقدان التعليم خلال السنوات السابقة، نتيجة ظروف الحرب، وحثهم على التعلم، ومساعدتهم للالتحاق بأقرانهم”ـ وذلك من خلال “التعليم المسرع =دورات مكثفة” خلال العطلة الصيفية، و”التعليم التعويضي = دورات تعزيزية خلال العام الدراسي”، بالتعاون مع عدد من المنظمات، إضافة لدورات تدريبية للكوادر التدريسية لصقل خبراتهم العلمية والعملية.