فوكس حلب

مجلة الكترونية تغطي أخبار محافظة حلب وعموم الشمال السوري.

نقص حاد في الكوادر الطبية وآمال بحلول قادمة

  تبحث أم يمان منذ أشهر عن طبيب “جلدية” في محافظة إدلب، لعلاج طفلها المصاب بداء “الصدفية”، دون جدوى، وما زاد “الطين بلة” على حد قولها، عدم استجابة طفلها للأدوية […]

 

تبحث أم يمان منذ أشهر عن طبيب “جلدية” في محافظة إدلب، لعلاج طفلها المصاب بداء “الصدفية”، دون جدوى، وما زاد “الطين بلة” على حد قولها، عدم استجابة طفلها للأدوية التي كانت تستخدمها، والتي وصفتها له طبيبة الجلدية في إدلب، سابقاً، وانعدام وسائل التواصل معها بعد تركها للمدينة منذ تحريرها في العام 2015، وتغيير رقم هاتفها.

بينما تضطر حميدة للسفر (كل ثلاثة أشهر) إلى مناطق سيطرة النظام في حلب، لمراجعة طبيبة العصبية التي تتابع حالة طفلها المصاب بـ “التوحد”، بعد أن “عجزت” من إيجاد طبيب مختص في المشافي والمراكز الطبية المنتشرة في المناطق المحررة، وهو ما أدى إلى تراجع “حالة طفلها” بحسب وصفها، خاصة وأن “الطبيب في حلب لا يجيب على الاتصالات الهاتفية أو رسائل الواتس آب”.

غياب الأطباء، خاصة الاختصاصيين، في المناطق المحررة، ظاهرة تفاقمت منذ بداية الثورة السورية، ساهم في تفاقمها استهداف الكوادر الطبية والمشافي والمراكز الصحية من قبل قوات الأسد، وهجرة الكثير من الأطباء إلى الدول المجاورة، والاعتقالات التي طالتهم، من مختلف القوى العسكرية، وإغلاق المنشآت الطبية من قبل المنظمات الإنسانية وتعليق عملها، لغياب التمويل، أو احتجاجاً على الانتهاكات بحق كوادرها، وأخيراً ازدياد حالات الاختطاف بغرض الفدية من قبل عصابات، استهدفت الكوادر الطبية.

الكوادر الطبية أول المتضررين

وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الشهري الصادر في (3 أيلول 2018) مقتل 89 من الكوادر الطبية وكوادر الدفاع المدني والهلال الأحمر، 54 منهم على يد قوات النظام السوري، وكانت لشبكة قد وثقت مقتل 327 شخصاً من الكوادر الطبية خلال السنوات الثلاث الأولى من الثورة بينهم (166 طبيباً) و (56 صيدلانياً) إضافة إلى ممرضين ومسعفين، واعتقال 3270 بينهم (650 طبيباً).

كما وثقت الشبكة تدمير 166 منشأة بشكل كامل من قبل قوات النظام في العام الحالي 2018، ومئات المنشآت الطبية، سابقاً (222 في العام 2014)، سواء من خلال قصفها أو الاستيلاء عليها، وأوضح التقرير تحويل بعضها إلى ثكنات عسكرية لقوات الأسد.

أما عن هجرة الأطباء فقد أوضحت الجمعية الطبية الألمانية في تقاريرها أن 72% من الأطباء العاملين في سوريا قبل الثورة، بعضهم قد ترك البلاد بطرق نظامية، ما يقارب 5000 طبيب، استقبلت ألمانيا 2895 طبيباً منهم، بين عامي 2012 -2013، إضافة إلى آلاف الأطباء الذين توجهوا إلى تركيا بطرق غير نظامية، بعد حملات الاعتقال والقصف، إذ وثقت وزارة الصحة التابعة لنظام الأسد فصل 150 طبيباً من نقابة الأطباء بتهمة التعامل مع الثوار وأكثر من 1000 طبيب بحجة مغادرة البلاد بطرق غير شرعية.

تضاف إلى هذه الأرقام التي استنزفت الكوادر الطبية، خاصة الأطباء، حالات الاختفاء القسري والخطف، الذي طال هذه الكوادر، من قبل قوات الأسد وتنظيم الدولة “داعش” وعصابات في مناطق المعارضة، إذ سجلت الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الحالي خطف ما يزيد عن 20 من الكوادر الطبية العاملة في المناطق المحررة، بغرض الحصول على الفدية، كطبيب النسائية محمود المطلق وخليل آغا ومحمود السايح، وآخرهم الصيدلي إبراهيم رضوان الذي خطف في أطمه بالقرب من عفرين، ولم يفرج عنه حتى الآن، وتتراوح المبالغ المالية المطلوبة بين (50 -120 ألف دولار).

هموم ومصاعب

تتمثل الصعوبة الأكبر في المشافي والمراكز الطبية باعتمادها على الجهات الداعمة (منظمات –رجال أعمال)، ويرتبط عملها باستمرار الدعم، ما يجعلها عرضة للتوقف، في أي لحظة، بغياب التمويل، أو تعليق عمل المنظمة لأسباب كثيرة كـ الانتهاكات التي تتعرض لها الكوادر، أو سيطرة فصيل عسكري ترفض هذه المنظمات التعامل معه، أو لسياسات خارجية، أو لانتهاء مدة الدعم مع طول مدة الحرب السورية، (كتوقف مركز غسيل الكلى بمشفى “الرحمة”، في مدينة دركوش غرب إدلب، عن العمل، بعد انتهاء المنحة المقدمة له من قبل المنظمات، والذي كان يقوم بنحو 300 جلسة غسيل كلى في الشهر بشكل مجاني لأكثر من 34 مريضاً، ومشفى “عمر بن عبد العزيز” في مدينة جسر الشغور ويعد أكبر مشافي المدينة، توقف عن العمل مع نهاية العام الفائت، والذي كان يجري كحد أدنى 5 عمليات جراحية ،و 200 معاينة يومياً) وتعليق منظمة سوريا الخيرية لعملها في ريفي حماه الشمالي وإدلب الجنوبي في أيلول الماضي وذلك بسبب خطف أحد كوادرها (المسعف علاء عليوي).

كما أدى الازدياد الكبير في عدد سكان الشمال السوري بعد حملات التهجير القسري والنزوح الداخلي إلى زيادة الضغط على المنشآت الطبية، الضعيفة في الأصل، وهو ما أدى إلى تناقص أكبر في الخدمات الطبية المقدمة، إضافة إلى التهديدات العسكرية الأخيرة من قبل قوات الأسد باجتياح الشمال السوري واستهداف المراكز الطبية، كل ذلك أدى إلى تفاقم أزمة القطاع الصحي وتردي خدماته.

يقول طارق القاسم “مدير المركز التطوعي في مدينة مورك 28كم شمال حماه “نواجه ككادر طبي صعوبات كثيرة على الرغم من الجهود المبذولة بسبب كثافة السكان، والنزوح، وشح الأدوية، وانتشار الأوبئة والأمراض، وعدم توفر الكوادر المؤهلة للعمل، بالإضافة لمغادرة معظم الأطباء الى خارج البلاد” وهو ما دفع عبد الله طبيب الأطفال في ريف إدلب الجنوبي إلى “البقاء” ومتابعة عمله “مهما كانت الظروف” بحد قوله، متمنياً على من بقي من الأطباء “عدم مغادرة عملهم” لخدمة “أهالي المنطقة بعد هجرة معظم الكوادر الطبية أو استهدافها، ووسط هذا النقص الكبير في كافة الاختصاصات، خاصة الأطفال” مذكراً الجميع “بالواجب الإنساني والأخلاقي والوطني، الذي يقع على عاتقهم تجاه قضيتهم وأبناء بلدهم”، وطالب الطبيب مديريات الصحة والمنظمات الداعمة بإيجاد “حلول ووسائل، لإيقاف النزيف في الجسم الطبي السوري المستمر منذ سبع سنوات” على حد قوله.

حلول إسعافيه وآمال قادمة

لعل ّ الانتقال من مرحلة الإغاثة الطبية إلى التنمية الطبية هو الحل، وهو ما قاله الدكتور جواد حطب رئيس الحكومة المؤقتة حالياً، وعميد كلية الطب في جامعة حلب الحرة، سابقاً، في تصريح له مع قناة الجزيرة في عام 2016، وهو ما سيؤدي إلى رفد الداخل السوري المحرر بعشرات الأطباء سنوياً، وفي كافة الاختصاصات.

إذ افتتحت منذ ثلاث سنوات كليات طبية ومعاهد صحية بكافة الاختصاصات، يوجد (كليتان للطب البشري وثلاث كليات للصيدلة، ومعاهد صحية، تمريض، قبالة، مخبر، مساعد صيدلي).

في انتظار تخرج الدفعة الأولى من هذه الكليات لتغطية النقص الحاد في المنطقة، عملت بعض الكوادر الطبية على اجتراح حلول خاصة كالمركز الصحي التطوعي الذي افتتح في مدينة مورك أواخر 2017، وبعد عودة 450 عائلة من النازحين إلى المدينة وتدمير بنيتها التحتية من منشآت طبية وصيدليات، يقول طارق القاسم مدير المركز “إنهم يقومون بتدريب عدد من الكوادر والمسعفين لتغطية النقص وتلبية احتياجات الأهالي”.

وتغيب وزارات الصحة ومديرياتها في الحكومات المتعاقبة على الشمال السوري في إيجاد حلول لأكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون من الأهالي الذين يعانون من انتشار الأمراض والأوبئة، في الوقت الذي يعجز المجتمع الدولي عن تطبيق قرارات الأمم المتحدة بمنع استهداف المنشآت الطبية والصحية في المناطق المحررة وحمايتها وتأمين كوادرها، وإنهاء سياسة تدمير البنى التحتية التي يعتمدها نظام الأسد وحلفاؤه للضغط على أهالي هذه المناطق وإجبارهم على النزوح أو القبول بالمصالحة.

تحاول أم يمان “إسكات ألم طفلها” بإعطائه جرعات زائدة من أدويته السابقة، في الوقت الذي يمتد “الصدف” إلى وجه الطفل وعينيه، لتقرر الذهاب إلى مناطق النظام، بعد أن فشلت بالدخول إلى تركيا، للبحث عن “طبيبته القديمة”، أو “طبيب يخفف من ألم طفلها” لتخبرنا “خايفة عليه يتشوه أو يعمى، الصدف قرب من عينو، وكل الأدوية الي عطوني ياها ما عبتفيد، كل يوم عبيزيد المرض”.