استضافت سوريا في نيسان 1974 المؤتمر الأول للصم والبكم في الوطن العربي، وبالرغم مما رشحت عنه من توصيات تخص التعامل مع هذه الفئة وتأهيلها وتدريبها وتأمين الخدمات الصحية والتعليمية لها، إلّا أن هذه الإجراءات بقيت “حبراً على ورق”، وتفاقمت منذ بداية الحرب السورية، خاصة في المناطق المحررة التي افتقدت لأي مركز مختص للعناية بهم، كما رفضت المدارس استقبالهم “لحاجتهم إلى مدرسين مؤهلين ومناهج وطرق تعامل خاصة”، إضافة إلى غياب دور المنظمات الإنسانية والصحية التي تُعنى بالشأن الطبي، وغلاء أسعار “السماعات” التي يحتاجها المصابون جزئياً بفقد السمع وانعدام القدرة على إجراء عمليات “زرع الصيوان والقوقعة” في سوريا.
وبحسب دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية تبين أن هناك 360 مليون شخص (أصم وأبكم في العالم) أي ما يعادل 5% من السكان، 8.9% منهم دون سن الثامنة عشر، وأظهرت الدراسة أن 10% فقط منهم يحصلون على “معينات سمعية.
مركز تعليمي للصم والبكم في مدينة الباب
قامت مديرية التربية في مدينة الباب، في حزيران الماضي، بافتتاح مركز للعناية بمرضى الصم والبكم، في المركز الصحي للمدينة، ضم خمسة طلاب، ليتم نقله مع تزايد الأعداد (يوجد في المركز اليوم 30 شخصاً) إلى مركز التدريب المهني وتخصيص غرفة لهم، وتعيين (أخصائيتين في النطق، إضافة إلى مدرستين مساعدتين) لمساعدة هؤلاء المرضى ودمجهم في المجتمع، وتعليمهم، وتعديل سلوكهم، بحسب جمعة الكظكاظ معاون مدير التربية، الذي أضاف أن المديرية تسعى من خلال التواصل مع الجهات الداعمة لإنشاء مركز مختص ومؤهل بالأدوات اللازمة لاستيعاب الأعداد المتزايدة التي تصل إلى المديرية، والذين يقدر عددهم بـ 200 حالة (راجعت المديرية خلال الأشهر الماضية).
يقبل المركز الحالات من عمر ثلاث سنوات فما فوق، تتراوح أعمار الحالات المتواجدة حالياً بين 3 -20 سنة، والتي تعاني من حالة فقد للسمع (كلي أو جزئي)، بعد إجراء “تخطيط سمع” للمريض، يرفق باستمارة تحتوي على اسمه واسم والديه وصورة شخصية وتقرير طبي يبين حالته، وتقسم الفئات التعليمية في المركز إلى أربع فئات (الأحرف –الروضة –تأهيل مرحلة أولى –تأهيل مرحلة ثانية) بحسب الأخصائية ماجدة مديرة المركز التي أضافت “يتم دراسة حالة الطلبة والكشف عن الأحرف التي لا يستطيعون نطقها، ليتم إعطائهم دروساً مكثفة في النطق، ونسعى لجذب الأطفال الجدد عن طريق اللعب والمرح” مؤكدة أن “جميع المصابين بفقد السمع في المركز لا يجيدون لغة الإشارة، ويتم الاعتماد على لغة الشفاه ليتم التواصل معهم، ريثما يكسب الطفل الثقة بنفسه”.
وتقول أم جميل (مدرسة في المركز) إن الدوام يبدأ من الساعة 1 حتى 3 ظهراً، يقسم على حصتين: تخصص الأولى لـ “النطق أو اللغة العربية أو الرياضيات أو الفنون أو الرياضة” أما الحصة الثانية فمخصصة لـ “تعديل السلوك”، ولا يوجد منهاج خاص للمركز، بانتظار وعود مديرية التربية.
والصم هم “أشخاص يعانون من إعاقة حسية لحاسة السمع بشكل كلي أو جزئي”، يقول الطبيب أحمد السعد (أخصائي في جراحة الأذن) إن السبب الرئيس لظهور الإعاقة السمعية يكون عن طريق “الوراثة” والتي تنتج غالباً من “زواج الأقارب”، إضافة إلى الالتهابات الفيروسية والبكتيرية التي تصاب بها الأم الحامل كـ “الحصبة الألماني”، كما تعتبر الضوضاء والأصوات العالية وأصوات الانفجارات (في الحالة السورية) سبباً من أسباب فقدان أو تناقص السمع عند الأشخاص، كما يسبب الخوف “حالة من التأتأة” التي تستدعي التعامل الخاص مع مثل هذه الحالات.
ويضيف الطبيب “إن تعليم الصم والبكم من المجالات شديدة التخصص، والتي تتطلب نوعية معينة من المدرسين القادرين على استيعاب وتوجيه احتياجات هؤلاء الطلبة، وذلك عبر التعامل معهم بـ لغة الإشارة ثم النطق فـ قراءة الشفاه وصولاً إلى القراءة والكتابة”.
“يرفض الأهالي تعليم أبنائهم لغة الإشارة” تقول مديرة المركز، وذلك لأسباب تتعلق “بالحالة النفسية للأهالي، وإحساسهم بانعدام الأمل في حال استخدامها من قبل أطفالهم”، وهو ما رفضه الطبيب السعد الذي أكد على عدم صوابية الابتعاد عن تعلم لغة الإشارة، والقول السائد “بإن استخدامها يعوق نمو اللغة المنطوقة والمكتوبة” فقد أثبتت الدراسات “خطأ هذه الفرضية، ولهذا بدأ الاعتراف المتزايد بلغة الإشارة في العالم، وتقبلها وتحويلها إلى إشارات بدائية ومن ثم إلى لغة لها بنيتها وقواعدها”.
ويعتمد المركز على أسلوب “قراءة الشفاه”، في التعليم وتعديل السلوك، وهي عملية “تعتمد على الحاسة البصرية في قراءة الشفاه، وتنمية مهارة المعاق سمعياً على فهمهما ومعرفة الحركات المرافقة لها كحركة اليدين وتعابير الوجه”.
وكان العالم “ساندرز 1971″ قد قسم طريقة قراءة الشفاه إلى قسمين” التحليلية وتعتمد على تركيز المعاق سمعياً على كل حركة من شفتي المتكلم وتنظيمها معاً لتشكيل المعنى المقصود، وتركيبية وتركز على معنى الكلام وتعتمد على حركة شفتي المتكلم إضافة إلى فهم المثيرات البصرية المصاحبة للكلام من تغيرات الوجه وحركة اليدين وسرعة المتحدث ومدى بساطة الموضوع وصعوبته”.
صعوبات وعوائق
يمتلك 8 طلاب من أصل 30 متواجدين في المركز لـ “سماعات أذن” على نفقتهم الخاصة، في حين تم توزيع 3 سماعات لثلاثة أطفال عبر أحد المتبرعين، إلا أن 19 طفلاً ما زالوا يعانون من عدم قدرتهم على الحصول على المعينات السمعية، ويتراوح سعر سماعة الأذن بين (100-300 دولار) بحسب جودتها، وهو ما يعيق عملية التعليم.
تقول مديرة المركز “الأطفال الذين حصلوا على سماعات أذن يستجيبون بشكل أفضل للدروس، وبدأ نطقهم بالتحسن بدرجة كبيرة”، آملة أن يحصل باقي الطلبة على المعينات السمعية.
كما يعاني المركز/ الغرفة من ضيق المساحة، فهناك أربع فئات من الطلبة يوضعون في صف واحد، وتعمل كل مدرسة مع الفئة التي تخصها، وهو ما يسبب “ضجيجاً كبيراً” إضافة إلى صعوبة في التواصل، كما يفتقد المركز للوسائل التعليمية الخاصة، وعن هذا الأمر يقول معاون مدير التربية الكظكاظ “تم رفع سيفيات للأطفال عن طريق مديرية التربية للمجلس المحلي لتخصيص مركز لهم تقدم فيه كافة الاحتياجات، وخصوصاً السماعات” مؤكداً أن المركز “يحتاج لـ 15 سماعة مبدئياً”.
يخدم المركز مدينة الباب وريفها، وهو ما يضطر الأهالي للمشي لساعات أحياناً للوصول إليه، تقول أم ياسر “أمشي ما يقارب 6 كيلو متراً مع ابنة أخي المتوفى ريماس شعبو بعد زواج والدتها وتركها لطفلتها، من مدينة بزاعة وحتى الباب، لأصل إلى المركز، وهو ما يشكل عبئاً كبيراً علي” ويحتاج النقل بالحافلات لما يزيد عن ( 1000 ليرة 2.5 دولار) يومياً، وهو أمر مكلف في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها العائلة، (متوسط دخل الفرد في سوريا لا يتجاوز 86.7 دولار بحسب دراسة فيريل الألمانية)، حال أم ياسر ليس بأفضل حالاً من أم محمود التي تحتاج لما يزيد عن ساعة من الوقت لإيصال حفيدها جميل إلى المركز الذي يقع (شمال مدينة الباب) من مكان سكنها في شارع زمزم في الطرف الجنوبي. ويطالب الأهالي بإيجاد وسيلة نقل تقل أبناءهم وتخفف من الأعباء المادية والجسدية عليهم وعلى أطفالهم، وهو ما يمنع كثر من المرضى من الالتحاق بالمركز.
نتائج جيدة
تقول أم ياسر إنها “مرتاحة جداً من حالة ريماس، بعد ثلاثة أشهر من دوامها على المركز، بدأت أفهم عليها بعض الكلمات مما جعلني أداوم على إحضارها” لتضيف أن ريماس صارت تتلفظ ببعض الكلمات “عميمه بدي لفة –عميمه بدي مي” تضحك السيدة وهي تخبرنا بهذه الكلمات لتؤكد لنا “أنها كانت في السابق تعاني من عدم فهمها للطفلة واحتياجاتها”.