تتفاقم مشكلة “التنقل” في محافظة إدلب “يوماً بعد يوم”، ويشتكي السكان من ارتفاع “أجرة التنقل”، وهدر الوقت في الطرقات، إضافة إلى انعدام المواصلات العامة في كثير من المناطق، ما يضطرهم لاستئجار حافلة خاصة “طلب”، بينما يشكو السائقين سوء الطرقات وزيادة عدد السيارات العامة على خطوط النقل بشكل غير مدروس، وارتفاع كلفة الترخيص و”الكراجيات”، في الوقت الذي بدأت به شرطة المرور في المدينة بإيجاد حلول، وصفها الأهالي والسائقين بـ “غير المجدية”، فيما اعتبرتها مديرية النقل “خطوة بالاتجاه الصحيح”.
ارتفعت أجور النقل العامة بين مدن وبلدات محافظة إدلب بما يزيد عن 15 ضعفاً عنها في عام 2011، وقد تتجاوز هذه النسبة 25 ضعفاً تبعاً لبعد المنطقة وحركة السير إليها، إذ تبلغ أجرة الراكب من مدينة أريحا وحتى إدلب (300 ليرة سورية) بعد أن كانت (15 ليرة) في عام 2011، بينما يضطر الراكب لدفع مبلغ (1000 ليرة) للوصول إلى مدينة سلقين وما بين (500-800 ليرة) للوصول إلى قرى جبل الزاوية، علماً أن المسافة لا تتجاوز (25-30 كيلومتراً) بين هذه المناطق.
ويتساءل الأهالي عن سبب هذا الارتفاع “الجائر” بحد وصفهم، فالمسافة بين أريحا وإدلب “لا تتجاوز 10 كم” والحافلة لا تحتاج لأكثر من (5 لترات من المازوت بسعر لا يتجاوز 1600 ليرة)، ويرى أبو محمد “إن هذا الأمر ينطبق على كافة خطوط النقل، فالحافلة لا تحتاج لأكثر من 10 لترات من المازوت بقيمة 3500 ليرة للوصول إلى جبل الزاوية، والأجرة تصل حتى 800 ليرة أي ما يقارب 11200 ليرة في كل رحلة!”.
ليس هناك “تسعيرة ثابتة، كما في السابق، تدرس من قبل مديرية النقل، وتراعي حال السكان وأصحاب السيارات، بل باتت عرفاً يسير عليه أصحاب الحافلات، وعلينا أن ندفع، دون أن يكون هناك جهة مسؤولة لمراجعتها” يكمل أبو محمد.
ليست “الأجرة المرتفعة” المشكلة الأهم التي تصادف أبناء المنطقة، بل الانتظار لساعات طويلة ريثما تمتلئ الحافلة بالركاب، يقول أحمد (نازح من إدلب ويعمل في سلقين) “أحياناً نضطر للانتظار لـ 3 ساعات حتى تمتلئ الحافلة، وفي أفضل الأحوال لنصف ساعة، وهو ما يؤدي إلى ضياع نصف نهارنا في الطرقات، ويؤخرنا عن عملنا”، كذلك تقول فاطمة (طالبة في معهد الإعلام بإدلب من كفرنبل)، فـ “الرحلة تبدأ من كفرنبل إلى حاس ثم كفرومة والمعرة لتجمع الركاب، وتتجه نحو مدينة إدلب، هذه الرحلة تستغرق ما يقارب ساعة من الزمن، لتبدأ بعدها عملية توزيع الطلاب على جامعاتهم المنتشرة في أنحاء المدينة، ناهيك عن الحواجز التي يمرون بها”. وتهدر رقية (طالبة في كلية الأدب الإنجليزي من كفر سجنة بريف إدلب، ما يزيد عن ساعة ونصف الساعة من الوقت في كل مرة تضطر فيه إلى الذهاب إلى الجامعة، وتدفع مبلغ 2000 ليرة كأجرة للطريق، وهو ما يشكل عبئاً مالياً وزمنياً، جعل الكثير من الأهالي يرفضون إرسال أبنائهم إلى الجامعات”، يضاف إلى ذلك خوف الأهالي والرعب الذي يرافق الطلاب، والذي دفع بعضاً منهم إلى التغيب المتكرر عن المحاضرات، تقول أسماء طالبة في كلية الآداب قسم تاريخ: ” كانت زميلتي تتقيأ في الطريق، ما دفعها لعدم حضور أغلب المحاضرات”.
من جهته يدافع أبو لقمان (سائق حافلة على خط سلقين) عن أصحاب الحافلات، فـ “قد تم ترخيص أكثر من 70 حافلة من قبل مديرية النقل التابعة لحكومة الإنقاذ على خط سلقين، سابقاً كان هناك 40 حافلة، علماً أن عدد الرحلات اليومية لا يتجاوز 13 رحلة” الأمر الذي انعكس سلباً على حياة السائقين “كان يطلعنا كل 3 أيام سفرة على سلقين هلق كل أسبوع لحتى نطلع مرة”، وفي كثير من الأحيان يكمل السائق رحلته بـ “خمسة ركاب أو أقل، نظراً لتأخر الوقت وعدم وجود الركاب”، إذ لا يتجاوز دخل السائق على حد قوله (40 ألف ليرة شهرياً بالأجرة الحالية!)،
ويروي أبو لقمان أن الكلفة ليست فقط في “المازوت” فهناك “الزيت وأعطال السيارات، خاصة بالسير في مثل هذه الطرقات السيئة”، يضاف إلى ذلك رفع ضريبة السيارات من قبل وزارة النقل من (12500 ليرة) إلى (35000 ليرة) سنوياً، والكراجية (وهي ضريبة يفرضها أصحاب الكراج على الحافلات) وتبلغ 500ليرة شهرياً.
وينتقد أبو لقمان دور شرطة المرور المعينة من قبل وزارة الداخلية، كذلك قراراتها غير المدروسة، خاصة فيما يتعلق بـ “إلزام السيارات العامة بكراج الانطلاق” معتبراً أن هذا القرار “أحدث فوضى، فممن الممكن أن يؤدي انفجار أو استهداف المكان إلى كارثة حقيقية” متسائلاً “أليس عليهم في البداية تأمين سيارات عامة داخل المدنية لنقل الركاب إلى الكراج؟”، ملخصاً دورهم “بحجز السيارات غير الرسمية ومطاردتها، دون أي ضمانات أو تأمينات، فعند سرقة سيارة لا يستطيعون إرجاعها، وتنحصر مسؤوليتهم فقط بالمدينة، دون الأرياف، فهم يفرضون الضرائب بدون ضمانات، ولا يوجد حقوق للسائقين ولا حتى أثناء الحوادث فهم لا يدفعون أجور تصليح”.
العقيد علي كده مسؤول العلاقات العامة في وزارة الداخلية التابعة لحكومة الإنقاذ قال لفوكس حلب “إن 15 نقطة مرورية وزعت في مدينة إدلب، بدأت عملها منذ نيسان 2018، مهمتها تنظيم الحركة المرورية وتطبيق مخالفات السير، ومساندة عمل مديرية النقل لتنمير السرافيس والفانات كمرحلة أولى، ستتبعها مراحل لتنمير كافة أنواع الحافلات”، وعن الضرائب المفروضة قال كده ” إن لهدف من التنمير معرفة مصدر الحافلات وتوثيق ملكيات أصحابها، فكل سيارة لها اسم موافق لاسم صاحبها” ويعترف بهذه الوثائق في جميع أرجاء المحافظة باستثناء “عفرين والمعرة”.
أما عن الكراجيات فاعتبر كده تلك “المبالغ تعود لأصحاب الكراجات مقابل وقوف الحافلة، ولا دخل لشرطة المرور بها”.
يحاول الأهالي اجتراح حلول خاصة بهم لحل مشكلة التنقل، فمحمد قرر السكن في إدلب بالقرب من عمله، وكثير من الطلاب قاموا باستئجار منازل في مدينة إدلب “الأجار أوفر وأقل شنططة”، في حين اعتمد معظم الأهالي على الدراجات النارية في تنقلاتهم “الموتور أقل كلفة وأسرع، وشمة هوا”، على حد قولهم.