سحبت ظاهرة إنشاء الملاعب المعشبة، والتي انتشرت خلال السنتين الأخيرتين في الشمال السوري، البساط من (الملاعب الترابية وباحات المدارس) التي كانت حتى وقت قريب ملجأ للشباب والأطفال لممارسة رياضة كرة القدم “اللعبة الأكثر انتشاراً في العالم”، نظراً لجدواها الاقتصادية (يتم حجز الملعب مقابل مبالغ مالية) والتجهيزات الحديثة فيها (إضاءة –تخطيط للملعب –شباك للمرمى وعارضات)، إضافة إلى ما تحققه من سلامة جسدية توفرها طبيعة “الأرض العشبية”.
ساهم انتشار الملاعب المعشبة بتحسين الواقع الرياضي في محافظة إدلب، فمع دخول المنطقة في اتفاق “خفض التصعيد” منذ أشهر، ازداد عدد البطولات (الرسمية وغير الرسمية)، وباتت هذه الملاعب تشهد ظهور أندية جديدة، ودوريات بين القرى والبلدات، من شأنها رفع مستوى اللاعبين من خلال “الاحتكاك والمنافسة”، كما شكلت متنفساً للعديد من الشباب الباحث عن “المتعة” و “تخفيف الوزن الزائد”، يقول محمد الذي اعتاد ممارسة كرة القدم خلال السنة الأخيرة.
وعن طريقة إنشاء هذه الملاعب والكلفة المالية لها يقول الكابتن زكريا عثمان (لاعب كرة قدم سابق) قام بإنشاء ملعب في بلدة كفرسجنة بريف إدلب “تطلّب إنجاز العمل في الملعب ما يقارب أربعة أشهر، بدأت بتسوية الأرض بشكل مناسب ومن ثم تسويرها لتبدأ مرحلة فرش الملعب بـ “الجماش وهو نوع من أنواع الحجارة”، يلي ذلك تغطيته بـ “حصى أنعم من الجماش”، لتشكل تلك الطبقات مصفاة تمر منها مياه المطر دون التأثير على أرضية الملعب، ليقوم فريق مختص بمد أرضيته بالعشب الصناعي”.
وتختلف كلفة الملاعب المعشبة تبعاً “لمساحة الملعب” ونوع العشب المستخدم، والمستورد من تركيا، فـ هناك “الدوغراس والتاداروف”، إضافة إلى عدد “الغرزات العشبية في المتر المربع والتي تتراوح بين 9000-16000 غرزة”، وتتراوح الكلفة بين (35000-55000 دولاراً)، بحسب العثمان الذي حصر أهم المعوقات التي تواجه إنشاء الملاعب بـ “الكلفة المرتفعة وغياب المختصين بتركيب هذا النوع من الملاعب، فأي خلل بسيط في العمل سيؤثر على أرضية الملعب وجودته”.
الملاعب المعشبة وجدواها الاقتصادية
يتقاضى أصحاب الملاعب المعشبة (5000 ليرة سورية ما يعادل 11دولاراً عن كل حجز لمدة ساعة ونصف)، وهو ما يعتبره العثمان “أجوراً رمزية” مقابل “الكلفة العالية” لإنشاء الملعب وصيانته، إلّا أنه “مقتنع بمشروعه الذي يشجع الناس على ممارسة الرياضة”، على حد قوله.
من جهته يرى محمد (لاعب كرة قدم) إن هذه الأجور “مرتفعة”، فليس بالضرورة أن يحقق المشروع ربحاً يوازي كلفته في “سنة واحدة”، خاصة مع الطلب الكبير الذي تشهده هذه الملاعب، وهو ما يضطرك لانتظار دور على الحجز “لأيام وربما لأسبوع “. إضافة إلى البطولات التي تنظمها هذه الملاعب والتي تشكل عائداً مالياً جيداً لأصحابها، من خلال الرسوم المدفوعة من قبل الأندية المشاركة، وهو ما دفع المجالس المحلية للاستثمار في هذا الجانب بهدف تأمين دخل مستقل لها، كما فعل مجلس معرة النعمان ومجلس معصران بريف إدلب. حيث تم إنشاء ملعب معشب في بلدة معصران بدعم من برنامج تطوير “إحدى البرامج البريطانية التي تعمل على دعم المناطق المنكوبة “بهدف تأمين دخل مادي منفصل للمجلس المحلي.
يقول عمر عساف “إعلامي المجلس” قام المجلس المحلي باقتراح مشروع الملعب على “برنامج تطوير” وتمت الموافقة عليه وإنشاؤه، والمشروع برمته مشروع ربحي يهدف لتأمين دخل جيد للمجلس لتغطية بعض النفقات والخدمات في البلدة.
يزيد عدد الملاعب المعشبة في إدلب عن 30 ملعباً، لكنها ما تزال تفتقر لرابطة واحدة تجمعها وتهتم بتأمين مستلزماتها. ويعمل الاتحاد الرياضي لكرة القدم على متابعة هذه المنشآت والتنسيق مع بعضها لإقامة ومتابعة البطولات والدوريات الكروية، بحسب نادر الأطرش “رئيس اتحاد كرة القدم” الذي يرى أن هذه الملاعب تتيح فرصة أكبر للاعبي كرة القدم لتطوير مستوياتهم، كما تتيح الفرصة أمام هواة اللعبة لتنمية مواهبهم ووصولهم لدرجة المحترفين.
من جانب آخر شكلت تلك الملاعب متنفساُ جيداً لسكان الشمال السوري، وبخاصة سكان المخيمات الذين وجدوا في هذا الملاعب حياة جديدة تنسيهم بؤس ما يعيشونه داخلها، لاسيما أن الحضور مجاني وبإمكان الجميع الذهاب إلى الملعب وقضاء الوقت الذي يريده هناك.