انتهت يوم الأحد الماضي أيام المعرض الفني الذي أقامه الفنان السوري أكرم أبو الفوز تحت اسم “نحب الحياة”، ضمن فعاليات معرض “أوكتارا” في العاصمة القطرية، بمشاركة 30 لوحة من أعماله تم طباعتها بقياسات كبيرة وبرعاية السفارة السورية الحرة في الدوحة.
تشكل التجارب الإنسانية وجهة نظرنا نحو الحياة بكل اضطراباتها، ليحملها الفن بمختلف أشكاله (السينما –المسرح –الرسم –الكتابة….) على شكل رسائل مؤولة للعواطف والدوافع والخوف والفرح، عاكساً ما تخفيه النفس البشرية، محاولاً لمسها بقلم أو بريشة فنان، لخلق تلك المساحة من التنفس، والتي من شأنها أن تربطنا أكثر بمعرفة أنفسنا، محاولاً تخطي دوره كمرآة للواقع، إلى التأثير فيه، ومحاولة تغييره.
وإن كانت الحروب قد شكلت “مادة أساسية” لتوحد ثنائية الفن والواقع، وأنتجت بحسب دراسات لمنتوجها خلال الحروب العالمية (الأولى والثانية) فناً ملاصقاً للواقع، ومرتبطاً بالتجربة، وغنياً يتسم بالوفرة والحداثة، قال عنها الصحفي سمير غريب “أينما ذهبت أرى أثراً فنياً لحرب”، فإن الثورات في العالم قدمت فنوناً “رمزية وإيحائية” أكثر “طهراً”، وهو ما قالته أنغليكا فرانكة بعد جمعها للوحات الفنية في الحرب العالمية: “بدت سنوات الحرب العالمية وكأنها فراغات، وبدا الفنانون وكأنهم توقفوا عن العمل خلالها، إن هذا ليس صحيحاً، لأن الجزء الأكبر منها كانت سنوات مثمرة للغاية، قطعوا أوراق الشجر ورسموا على الحجارة والجدران”.
الثورة السورية بالرغم من غرق “موهوبيها” تحت ركام القصف والفقر والحرب، وغياب الأدوات والمنابر، التقطت كثيراً من هذه التفاصيل، وبمواد بدائية وجهد ذاتي فردي عبّر عنه الفنان أكرم أبو الفوز لفوكس حلب بقوله “أنا إنسان شعبوي أكره تعقيدات الحياة، لا أحمل أكثر من الشهادة الإعدادية ولكني أدركت الجمال، وبموهبة رزقني الله إياها أستطيع صنعه على طريقتي”.
و”أكرم أبو الفوز ” شاب ثلاثيني ولد وعاش في مدينة دوما بالغوطة الشرقية. عايش الموت والحصار ما أتاح لموهبته أن تنفجر رافضة الواقع من حولها ليبدأ بتحويل أدوات الموت التي أخطأته وعائلته الصغيرة إلى قطع من حياة جميلة مزركشة حلم بأن سيعيشها يوماً ما.
وإن كان الفنان لا يستطيع المشاركة في الحرب بسلاحه، فإنه، وعلى الأقل، التزم بقضايا وطنه ليرسم لها، تمثلاً بمقولة الفنان الشهير “ديلاكروا”، فاختار “مخلفات الحرب ليستخدمها كمادة خام للرسم عليها، وشملت بقايا الصواريخ والقذائف العنقودية وفوارغ الرصاص وقذائف الدبابات والمدفعية وغيرها من آلات الحرب التي كانت تقتل الشعب السوري ليلاً نهاراً، ويقوم بالرسم عليها ونقشها بكلمات تدعو للحياة، مستخدماً ألوانه القديمة التي خزنها بمحل الرسم على الزجاج حيث كان يعمل قبل اندلاع الثورة”.
بعناية وحرص شديد كان يتعامل مع الألوان التي بدأت مع طول فترة الحصار تتناقص، بينما كان يسرف باستخدام الفوارغ والصواريخ التي كانت تزداد يومياً.
هُجر أكرم قسرياً من بيته في الغوطة، تاركاً “لوحاته الفنية” هناك، كل ما استطاع حمله إلى مستقره الجديد في ريف حلب الشمالي، صوراً لأعماله، وتوثيقاً لمراحلها، والكثير من الحزن لتركها، إلّا أنها لم تبقى مدفونة في الأدراج، بحسب قوله، بعد أن نُشرت عبر معارض، والتقطتها أعين الصحافة في الدول العربية والأوروبية، لتصل “رسالتها” إلى العالم، الرسالة التي لخصها “أبو الفوز” بالإعلان صراحة عن كوننا “شعبٌ نحب الحياة ولا نحب القتل والدمار، لدينا جذور عريقة وقديمة في الثقافة والفن ولدينا حضارة تعتبر الأقدم في العالم، لسنا إرهابيون بل نحن هواة سلم”، ليردد دائماً سبب استخدامه لمخلفات الحرب في صناعة كل هذا الجمال “لا نريد الموت بهذه الآلات، نريدها ملونة ومزخرفة كما نريد ان نراها، نريد أن تنتهي الحرب ويعم السلام بسوريتنا، نريد استنشاق الحرية وسنبقى نعمل لأجلها”.
حضرت اللوحات وغاب صاحبها عن معرضه في الدوحة، آملاً من خلال مشاريعه الجديدة التي “لن تتوقف” على حد قوله، بإيصال ما يخلقه من لوحات، والتي يعدها “معركته الخاصة مع الحياة”، إلى صالات عرض ابتداء من تركيا وليس انتهاء في أوروبا وأمريكا، لتعريف أهالي تلك الدول بما “حصل ويحصل كل يوم” في سوريا، دون أي “عائد مادي” يرجوه، بعد أن نذر نفسه للفت أنظار العالم إلى الثورة السورية التي تمتلئ بالمفردات والفنون والحياة.