“أريد أن أرسم جميع الأطفال في سوريا بكامل أطرافهم وهي غير مبتورة”، بهذه الكلمات اختصرت الطفلة دعاء الحموي (13 عاماً) أحلامها، خلال مشاركتها في العرض الوثائقي الذي قدمته جمعية ” children of Syria” يوم الثلاثاء الماضي، على خشبة المسرح الثقافي في مدينة إدلب (شمال غرب سوريا).
ويهدف العرض الذي شارك الأطفال (مبتوري الأطراف) في تقديم فعالياته، وبحضور عدد من منظمات المجتمع المدني الطبية والإغاثية إلى إيصال صوت هؤلاء الأطفال إلى العالم “بغية مساعدتهم والمسارعة في علاجهم، المتمثل بتركيب أطراف صناعية واستكمال علاجهم الطبي بتقديم العلاج النفسي للأطفال مبتوري الأطراف” بحسب محمد القبجي، مدير جمعية أطفال من سوريا.
وتعد العمليات العسكرية والقصف الممنهج من قبل قوات الأسد على المدارس والأحياء السكنية السبب الرئيس في ارتفاع معدلات قتل وتشويه الأطفال في سوريا التي وصلت إلى نسبة 348% خلال الربع الأول من 2018 مقارنة بنفس الفترة من 2017، بحسب وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الأطفال في مناطق الحرب “فيرجينيا غامبا”، التي أكدت أن الشهور الستة الأولى من العام الحالي شهدت انتهاكات جسيمة بحق الأطفال السوريين وصلت إلى أكثر من 1200حالة.
ومع نقص الدعم اللازم لتلبية احتياجات هؤلاء الأطفال، وانعدام مقومات العلاج وصعوبتها في حال توفرت “جاء هذا العرض لتسليط الضوء على معاناتهم التي سببتها الحرب، دون ذنب لهم سوى تواجدهم بمنازلهم التي تعرضت للقصف، الأمر الني نتج عنه تغيرات جذرية في حياتهم، إذ بات عليهم إكمال حياتهم بإعاقات جسدية دائمة” يقول القبجي الذي طالب جمعيات حقوق الإنسان بـ “تحمل مسؤولياتها تجاه الأطفال، والسعي لتركيب أطراف صناعية لهم تكون بديلة عن التي أفقدتهم إياها الحرب العسكرية”.
وعن آلية تنفيذ فعاليات العرض تابع قائلاً: ” تم تخصيص حصص تدريبية استغرقت نحو أسبوع، حيث تم التدريب من قبل أخصائيين”، لافتاً “أن التدريبات تمت مع تواجد كادر طبي مختص، وذلك في حال تطلب الأمر الإسعافات للأطفال المصابين أثناء الحصص التدريبية، فيما اعتلى عدد من الأطفال المعاقين بصرياً أو بفقدان أحد اطرافهم خشبة المسرح، متحدثين عن معاناتهم وقصص إصابتهم التي تسببت بالإعاقة الدائمة لهم، وأسباب عدم علاجهم وهدفهم في المستقبل”.
في حين تضمنت النشاطات التي أقيمت ضمن العرض الوثائقي، كلمة ترحيبية لطفلة، باللغة الإنكليزية، بالإضافة لعرض “برومو”، عن الأوضاع الراهنة في سوريا ومعاناة الطفل في الداخل السوري من خلالها، وتعتبر هذه الخطوة مؤثرة على الصعيد الإنساني في حال قررت المنظمات المساعدة، بحسب “القبجي” الذي رجّح استجابة الجهات الإنسانية المعنية بهذا الأمر، مع التأكيد على أهمية سرعة تلبية نداء هؤلاء الأطفال بشكل فوري، معللاً ذلك بـ “ضرورة عودة الأطفال لحياتهم الطبيعية، وإنهاء معاناتهم الإنسانية في ظل وضع مأساوي”.
تنوعت أحلام الأطفال خلال العرض، ورفعوا يافطات تحاكي مطالب أحلامهم في المستقبل، بين، “التعليم، الطب، تحفيظ القرآن، الرسم..”، في حين توحدت الأحلام المتحدثة عن ضرورة تقديم العلاج الطبي اللازم لهم بشكل عاجل.
الطفلة دعاء التي شاركت في العرض روت لـ “فوكس حلب” مشهد إصابتها بقذيفة دبابة مصدرها قوات الأسد المتمركزة في قلعة مدينة حمص، عند عودتها برفقة والدتها من السوق لشراء ثياب للعيد “لم أتمكن من سماع شيء عقب دوي الانفجار، نتيجة سقوط القذيفة، فيما نظرت إلى قدمي المبتورة وهي ملطخة بالدماء وشاهدت كيفية احتراقها، ما دفعني للبكاء بشدة”.
تحلم دعاء أن تصبح “رسامة” لترسم أطفال سوريا دون إعاقات جسدية تحرمهم من الركض خلف ألعابهم وفي الحدائق، بأمان، بينما تحاول من خلال رواية الأحداث التي عايشتها مترافقة بدموعها “إيصال صوتها مع رفاقها ذوي الاحتياجات الخاصة إلى العالم لإيجاد حلول من شأنها إعادتهم للحياة الطبيعة وانحسار شعورهم بالنقص والعيش كباقي الأطفال”.
بينما يتمنى الطفل عبد اللطيف حلمي (من أحياء حلب الشرقية) والذي فقد بصره إثر غارة جوية روسية محملة بالفوسفور أن يحصل ورفاقه على برنامج علاجي يقدم لهم الرعاية الطبية اللازمة، خاصة مع ارتفاع عدد الأطفال ذوي الاحتياجات لخاصة في المنطقة، حيث أن إخوته قد فقد كلاً منهم قدمه نتيجة غارات جوية مماثلة، في حين يتمثل حلم الطفل بأن يصبح طبيباً مختصاً في طب العيون في المستقبل، وعزا ذلك لتقديم العلاج لكل المحتاجين له.
يدفع أطفال سوريا الثمن الأكبر نتيجة الحرب الدائرة، وتتحدث تقارير للأمم المتحدة عن حرمان 2.1 مليون طفل سوري من التعليم لأسباب تتعلق بانعدام الأمن والفقر والنزوح، بينما تبقى الحاجة إلى العلاج ومساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة المشكلة الأهم والمسؤولية الأبرز الذي يتوجب على العالم اتخاذ الإجراءات اللازمة باجتراح حلول سريعة ومنصفة للحد من زيادة أعدادها والتخفيف من آثارها.