غابت المظاهر القديمة التي كانت ترافق عودة الحجيج إلى سوريا، وبالرغم من اختلاف العادات والتقاليد باختلاف المناطق، إلّا أن مظاهر كالرسوم على الجدران (رسومات كالكعبة والحرم الشريف) وكتابة بعض الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة وبعض الأبيات الشعرية لتهنئة الحاج والتعبير عن الفرح بقدومه، إضافة إلى تزيين الشوارع بالأضواء واللافتات ومداخل البيوت بشجر السرو، دون أن ننسى “راحة الحجاج -نوع من الحلويات يصنع بشكل شبه خاص للحجاج وتطبخ في المحلات من السكر والنشاء وملح الليمون والفستق الحلبي”.
ومع بدء عودة الحجاج، هذا العام، غابت عن محافظة إدلب معظم هذه المظاهر، إلّا من بعض الزينة داخل البيوت، وبعض الرسومات، واستبدلت بمظاهر أخرى، كالزغاريد وإطلاق العيارات النارية!
“وصال” من مدينة إدلب بررت “الزغاريد” عند استقبال عائلتها القادمة من الحج بـ “حاجتها للفرح”، فـ “تلك اللحظة التي استطاعت فيها أن تخرج فرحاً مخبّأً في داخلها بعد أن فقدت خلال الثورة شهيداً من أخوتها ومعتقلاً وآخراً مصاباً”، في الوقت الذي قال فيه أسعد من جبل الزاوية “بات إطلاق العيارات النارية سلوكاً مستخدماً للتعبير عن الفرح والحزن”.
واجهة أحد المنازل في محافظة إدلب استقبالاً للحجاج -خاص
يرفض الدين الإسلامي ذلك النوع من التعبير عن الفرح في استقبال الحجيج، فـ “تلك من العادات التي ظهرت وازدادت خلال السنوات الأخيرة، وهي تنافي الدين الإسلامي، فـ الزغاريد وإطلاق العيارات النارية تصرفات خاطئة” يقول أستاذ الشريعة إبراهيم أبو الحسن الذي تساءل مستغرباً “كيف يستقبل من كان في طاعة الله، بخطأ؟”.
من جهته قال أحمد الحسين (أستاذ في التربية النفسية) “إن التعبير بإطلاق النار بات سمة ظاهرة في المجتمع السوري، مع غياب الرقابة والرادع الديني والاجتماعي، ويعزا ذلك إلى كمية من الغضب والمشاكل النفسية التي يعاني منها السوريين، خاصة عند فئة الشباب، يفرغونها دون وعي ومسؤولية بإطلاق العيارات النارية والهوس بالأسلحة”.
الحج كان يسيراً هذا العام
كانت حصة السوريين لأداء مناسك الحج 15000 حاجاً، تبعها 200 حاجّ كهدية من الملك السعودي، كانت حصة المناطق المحررة 4000 آلاف حاجّ دخلوا من معبر باب الهوى الحدودي في إدلب، و1476 من معبر باب السلامة في إعزاز، إلى الأراضي التركية ليغادروها إلى مكة المكرمة، يقول أحمد الدوش مساعد مجموعة حج ” إن الحكومة التركية جهّزت حافلات وناقلات حقائب للحجاج، وسهلت دخولهم إلى أراضيها بمنحهم إذناً بالعبور من المعابر الرسمية، وإيصالهم إلى المطارات”، في الوقت الذي استبدلت فيه الحكومة السعودية كـ، إجراء لمساعدة السوريين، فيزا الحج من لصاقة على الجواز إلى ورقة تكون مرافقة للجواز، كما سمحوا بالتسجيل بواسطة “الهوية الشخصية” ريثما يتسنى للمتقدم تأمين جواز سفر، بحسب الدوش، الذي أضاف أن كلفة الحج لهذا العام بلغت (2576 دولاراً) بشكل وسطي، متضمنة (التنقل بالطائرة والسكن في فنادق –مكة والمدينة المنورة- إضافة إلى وجبة فطور يومية، ومخيمات -منى وعرفات- وأجور النقل الداخلي بين المكة والمدينة).، منوهاً أن الأسعار تختلف من مكتب لآخر.
حجّاج مع وقف التنفيذ
حرم 150 شخصاً من المتقدمين إلى الحج من أداء الفريضة المكتوبة لهذا العام في محافظة إدلب، وذلك لأسباب لخصها مدير مكتب الحج في معبر باب الهوى بـ “رفض لصاقات التمديد على الجوازات السورية الممنوحة منذ أكثر من عشر سنوات -بناء على تعليمات صدرت من إدارة الجوازات والمطارات بتحديد العمر القانوي للجواز السوري بـ 10 سنوات- واستخدام بعض الحجاج لجوازات صادرة عن الائتلاف السوري المعارض، أو جوازات مزورة”.
وفنّد مدير المكتب كل سبب على حدة، فبالنسبة للصاقات كان نظام الأسد قد أصدر قراراً في نيسان 2017 بإلغاء اعتماد لصاقات التمديد على الجوازات، واعتبار كل لصاقة بعد هذا التاريخ مزورة، أما جوازات الائتلاف فقد توقف منحها منذ العام 2014، وتعتبر مزورة كل الجوازات التي صدرت بعد هذا التاريخ، وكان بعض الأشخاص قد اعتمدوا على استغلال حاجة الحجاج لجوازات سفر وقاموا بتزوير جوازات سفر تعود إلى زمن تحرير إدلب، وحصول بعض الأشخاص على جوازات من دوائر النفوس –مختومة ولا تحمل اسماً- وبيعها للناس على أنها جوازات نظامية، ولا يتم كشفها إلا في المعابر الحدودية.
مرعي أحد المتقدمين للحج وقع فريسة أحد المزورين الذين جدّدوا له جوازه بلصاقة لمدة 8 سنوات، عليها أختام أوهمه أنها صادرة عن “القنصلية السورية في إسطنبول والحكومة التركية” مقابل 200 دولار ليكتشف تزويرها بعد ذلك ويحرم من أداء فريضة الحج. بينما دفع أبو محمد “1200” دولاراً ثمناً لجواز سفر “مستعجل”، عبر وسيط سوري في تركيا، ليكتشف بعدها أنه وقع فريسة “التزوير”.
مع كأس ماء زمزم الذي يقدمه أبو فاطمة لضيوفه كان يحكي عن أداء المناسك، والراحة التي يشعر بها الإنسان في مكة، وبعض الصعوبات التي واجهتهم “أكثرها في الطريق من إدلب عبر باب الهوى إلى المطار، خاصة طول المدة”، وعن عودته من الحج إلى مطار أنطاكية ثم إلى معبر باب الهوى.
بينما يبتسم الحاج الشاب محمد الخطيب (نازح من حلب) لمهنئيه شادّاً على أيديهم بالمصافحة “عقبال العودة حجي” ليدعي لكل مشتهي زيارة الأراضي المقدسة، يسأله أحد الضيوف “وين الراحة حجي” يضحك محمد وهو يجيب “كيلو الراحة 12 قطعة بـ 7000 خيو، مرّقا بفنجان قهوة مرة خيو”.
يمامة أسعد