“في واحدة من المرات، وأثناء قيادتي لدراجتي النارية مصطحباً زوجتي وطفلتي الصغيرة، كنت على وشك الوقوع في حفرة يتجاوز عمقها 30 سنتيمتراً. ولولا انتباهي في اللحظة الأخيرة وحرفي لمقود الدراجة قليلا نحو اليمين لكنت الآن… في (خبر كان)” يقول أحمد من سكان مدينة إدلب الذي يحكي لنا “خلال قيادتي للسيارة أو الدراجة النارية في شوارع المحافظة أكون في غاية الحذر، وذلك بسبب وعورة الطرقات من جهة، ومن جهة أخرى تبدو المطبات التي وضعت في الشوارع الداخلية لبلدات الريف الإدلبي في غاية السوء، فهي مرتفعة ومتقاربة لدرجة أنني لا أتمكن من الانتباه لمعظمها في أغلب الأحيان”.
وبالرغم من الحالة المتردية للطرقات الرئيسية في محافظة إدلب (حماة-حلب. اللاذقية-حلب. إدلب-باب الهوى)، إلّا أن الحالة تسوء كلما سلكنا شارعاً فرعياً (سواء في المدن الكبيرة أو في القرى والبلدات) ويصبح كارثياً في بعض القرى للدرجة التي (يستعصي المشي فيها على الماعز) على حد المثل المتداول على ألسنة الأهالي، فالطرقات محفرة والمطبات كيفما اتفق (بداعي وبدون داعي) وهناك حفرة بين كل حفرتين، وإن نجوت منها ستعترض سبيلك “خنادق” ناتجة عن حفر عشوائي قديم لإصلاحات في المياه أو الصرف الصحي، تترك لقدرها وللغبار والأتربة لتملأ ما لم تستطع المجالس والبلديات تزفيته.
عبد الرزاق صبيح (مدير المجلس المحلي في قرية كفر سجنه في ريف إدلب الجنوبي) يرى أن أهم أسباب الحالة السيئة للطرقات “القصف والغارات الجوية التي طالت أغلب الشوارع الرئيسية والفرعية، إضافة إلى أن كثيراً من القرى كانت مسرحاً لعمليات عسكرية -تسببت القذائف والصواريخ ومرور الآليات الثقيلة على الشوارع بتكسر الكثير منها-” في الوقت الذي لم تخضع به هذه الطرقات ومنها الطريق الدولي لأي عمليات ترميم أو تأهيل منذ سنوات طويلة، بسبب غياب الدعم الكافي، على حد قوله.
كلّ يتنصل من مسؤوليته في ترميم الطرق الدولية، على الأقل (اللاذقية –حلب، حماه –حلب)، ويصعب تحديد الجهة المسؤولة عنها، لكن المدنيين يحملون، الحكومتين (المؤقتة والإنقاذ) والمجالس المحلية للبلدات المتاخمة لهذه الطرق ومجلس محافظة إدلب، المسؤولية، ويطالبونهم بإيجاد حل للمشكلة التي “تتفاقم في كل يوم” على حد قولهم، قبل حلول فصل الشتاء، الذي سيحول هذه الطرقات بحسب وصف الأهالي إلى “مناطق خطرة ومنزلقات مميتة، تسبب الكثير من الحوادث والأعطال في الآليات”، يقول محمد من سكان مدينة أريحا “هناك حفر عميقة في الجزء المتاخم لمخيم القرميد، على الطريق بين أريحا –حلب، موجودة منذ عام 2015، ولم يحرك أحد ساكناً لردمها وتزفيتها” وفي الشتاء تتحول إلى “بركة” تؤدي إلى الموت، حال الطريق كحال الطرق في معظم القرى والبلدات. ولطريق الزانوبية في مدينة سرمين بريف إدلب الشرقي حكاية أخرى لخّصها الأهالي “قصة الطريق مشهورة.. عند اندلاع الثورة قام أحد المتعهدين بالاتفاق مع البلدية على تأهيل الصرف الصحي في الطريق ثم تزفيته، لكنه وبعد الانتهاء من المرحلة الأولى لم يقم بعملية التزفيت، وذلك بسبب تحرير المدينة، وسيطرة المعارضة عليها”، ليناشد الأهالي المسؤولين، ولسان حالهم يقول “يعني إذا مات بلال ببطل الأذان!؟”.
لا تقلّ مشكلة المطبات أهمية عن المشاكل الأخرى المتعلقة بمئات الحفر والتكسير في الطرقات، وبغياب الرادع تزداد هذه المطبات كيفياً (يصنعها الأهالي أو البلديات دون تنبيه وغالباً بلا سبب يستدعي وجودها) بشكل يومي، ودون تخطيط مسبق، ففي مدينة سرمين تفاجأ الأهالي بمطبات صنعت على عجل في الطريق الواصل بين (التربة القبلية ونزلة الرام)، “المطبات قاسية وصنعت دون مراعاة للسيارات والدراجات النارية، ووضعت بشكل متقارب، وهذا ما دعا الأهالي لتغيير طريقهم نحو طريق فرعي آخر لتجنبها” يقول عبادة الذي اصطدم بواحد من هذه المطبات دون أن ينتبه “بت أكره الشوارع والقيادة فيها، فهي غير صالحة حتى للمشي وزاد عليها وضع المطبات” ليتساءل عن سبب “وجود 3 مطبات في شارع بطول 400 متر فقط!”
تحتاج طرقات إدلب للكثير من العمل، وهذا ما لا يوفره حالياً شح الدعم المقدم للمحافظة المحررة، جراء توقف العديد من المنظمات وبرامج الدعم عن العمل. وبهذا الصدد يقول “عبد الرزاق عوض” الإداري في منظمة بنفسج إن كلفة مشاريع البنى التحتية عالية جداً، وهذا لم يشجع المنظمات على العمل في إصلاح الطرقات التي تندرج ضمن هذه المشاريع، و”لهذا السبب تنشغل أغلب المنظمات في المشاريع المتعلقة بذوي الدخل المحدود، وتأمين فرص العمل والمواد الإغاثية”.