“سرقت الحياة طفولتها ووجهها البريء ومنعتها من الفرح كأقرانها” بهذه الكلمات يصف أحمد الحسون حال طفلته “أليسار” ذات الثماني سنوات، والتي أحرقت النار، التي اندلعت في الخيمة التي نزحوا إليها في مخيم (أطمه -شمال غرب مدينة إدلب) منذ سنتين، وجهها، بعد أن تسببت الرياح بانقلاب (بابور الكاز) الذي تستخدمه العائلة في الطهي ما أدى إلى تشوهات، في وجه الطفلة، لم تفلح كل رحلات العلاج المكوكية إلى تركيا بالتخفيف من آثارها.
“تماثلت أليسار للشفاء لكن الندبات التي خلفتها الحروق شوهت وجهها، وعمّقت من مأساتها” يقول والدها الذي تحدث عن صعوبة إجراء عمليات تجميلية لطفلته في الداخل السوري “فليس هناك مشافٍ أو أطباء مختصون”، كما باءت كل المحاولات التي أجريت في المشافي التركية بالفشل، ليغدوا الذهاب إلى واحدة من الدول الأوروبية للعلاج كل ما يحلم بها الرجل وطفلته، على حد قوله.
أليسار واحدة من مئات الأطفال الذين يعانون من تشوهات ناتجة عن الحرائق التي سببتها الحرب السورية، سواء نتيجة القصف أو بسبب اعتماد الأهالي على المواد النفطية المصنعة محلياً، والذي أدى لوقوع الكثير من الحوادث المشابهة.
ويرى المهندس البتروكيماوي “هنانو السلوم” أن الغازات الحامضية مثل “كبريت الهيدروجين” وبعض الزيوت المتواجدة في الوقود، المكرر بدائياً، تلتصق بالجسم في حال التعرض للحريق، وتسهم بشكل كبير في حدوث تشوهات عميقة يصعب علاجها، فـ “عملية التقطير البدائي” المستخدمة لا تسمح بالفصل، بشكل جيد، بين العناصر البترولية، وتحافظ على نسبة كبيرة من مادة البنزين ضمن المازوت أو الكاز وهو ما يعطي المادة المنتجة سرعة كبيرة في الاشتعال بسبب زيادة عدد “الأوكتان” في المنتج، والذي يزيد من نسبة السعة والقدرة الحرارية للاحتراق.
ويضيف السلوم أن هذه المواد لا تخضع لمعايير السلامة الدولية، وقد تؤدي في كثير من الأحيان إلى الانفجار بسبب ارتفاع نسبة ذرات الهيدروجين في المواد المكررة والتي تؤدي إلى انتشار النيران بشكل أكبر.
ويفتقر الشمال السوري لوجود مشاف مختصة بمعالجة الحروق ويقتصر علاجها على قسم الحروق بمشفى “أطمه” الحدودي، أو في المستوصفات والنقاط الطبية المتواجدة في المنطقة، وهي علاجات “إسعافيه” يقوم بها الأطباء المتواجدون أو بعض الممرضين، يقول عبيدة الدندوش “مدير الاستجابة في srd” إن الكوادر المختصة في علاج الحروق قليلة في الشمال السوري ولا يمكن للمريض متابعة علاجه على نفقته الخاصة بسبب الكلفة المرتفعة في هذه العلاجات.
ويتابع “الدندوش” بدورنا كجهة طبية نحاول تأمين الرعاية الطبية الأولية للمصاب، ثم تعمل كوادرنا الاسعافية على نقله إلى مشفى “أطمه” المختص بالحروق، وهناك يقدر وضع المريض ويحدد الطبيب إمكانية علاجه في الداخل أو تحويله إلى تركيا، إلّا أن هذا الأمر يتطلب وقتاً طويلاً، فالحكومة التركية تصنف الحروق من “الحالات الباردة”، وتعطي الأولوية في الدخول “للأمراض الخطرة والحالات الإسعافية”، (تسمح الحكومة التركية بدخول 20 مريضاً يومياً).
الدكتور عماد غندورة (المختص بالجراحة التجميلية) قال إن الكلفة العالية لإنشاء مشافٍ خاصة بالحروق والتجميل هو ما يحول دون وجودها، بالرغم من وجود الكوادر المختصة القادرة على تشغيلها، إذ يصعب على جهة داعمة واحدة أن تتكفل بمثل هذا المشروع، ويضيف الطبيب أن غياب تلك المشافي المختصة لم يمنع المشافي الموجودة في الشمال السوري من القيام بعملها بشكل جيد.
من جانبه يقول الدكتور خالد الشيخ إن المشكلة الأهم تكمن بعلاج آثار وتبعات الحروق من تشوهات وغيرها، إذ تدخل تلك العلاجات ضمن الجراحة التجميلية والتي لا تعتبر المنظمات الإنسانية وجودها ضرورة ملحة في بلد يعيش حرباً طويلة منذ سنوات، بالإضافة إلى تكاليف هذه العلاجات الكبير مقارنة بباقي الأمراض، مما يدفعها لتأمين الخدمات الأساسية في الوقت الحالي، آملاً أن تعمد إحدى الجهات لاحقاً إلى الاهتمام بهذه الناحية.
ويرى الشيخ” أن حالة أليسار والحالات المشابهة بحاجة لتسليط الضوء عليها من قبل الإعلام، بالإضافة للقيام بحملات مناصرة، والتي من الممكن أن تفيد بشكل كبير في إيصال صوت المريض إلى الدول الأوربية المهتمة بالشأن السوري.