مكب للنفايات في مدينة سراقب -أنترنيت
إزالة النفايات وتوفير مشاريع مستدامة لتغطية نفقات ترحيلها، يشكل العبء الأهم الذي يعترض سبيل المجالس المحلية في محافظة إدلب وأريافها، في الوقت الذي غابت فيه الحكومات (المؤقتة والإنقاذ) عن اجتراح حلول للمشكلة التي باتت تشكل خطراً بيئياً وصحيّاً على الأهالي، خاصة مع إنهاء معظم المنظمات الإنسانية لـ مشاريعها المؤقتة في القرى والبلدات (عقود لمدة ثلاثة او ستة أشهر).
يُفكّر أبو عناد (يسكن في ريف إدلب) جديّاً بمغادرة منزله إلى سكن آخر، فـ “رائحة القمامة لا تصدها الجدران والأبواب”، على حد قوله، بعد أن تكدست أكوام القمامة في الحي الذي يسكنه “دون تدخل من أحد”، وباتت مصدر إزعاج ومرض بعد أن اتخذها أطفال الحي “مكاناً للهو واللعب، دون اكتراث من المجلس المحلي” وما ستسببه هذه النفايات من أمراض بعد أن غدت موئلاً للجراثيم والقوارض.
رمي النفايات في الأماكن المهجورة في أحد أحياء بلدة سرمين -خاص
يرمي الأهالي القمامة كيفما اتفق وفي زوايا البيوت والأحياء، دون وضعها في أكياس أو إغلاقها بشكل محكم، علماً أن ثمن كيلو غرام من أكياس القمامة لا يتجاوز “ثمن صندويشة شاورما تقريباً، يعادل ثمن كيلو الأكياس دولاراً واحداً” يقول أبو عناد، فقد اعتاد الناس رميها من “السطل (وعاء بلاستيكي) على الأرض مباشرة” وما هي إلّا دقائق حتى ترى القمامة منتشرة في الشوارع بعد نبشها من قبل الحيوانات الشاردة والقوارض، والأطفال الباحثين عن بعض الأدوات البلاستيكية وعبوات الماء الفارغة لبيعها، بعد أن زكمت الرائحة أنوفهم فباتوا لا يشعرون برائحتها الكريهة.
أبو محمد من سكان بلدة سرمين (6 كم عن إدلب) قال إن الأهالي اجترحوا حلولاً بدائية للتخلص من النفايات، عبر اختيار بعض الأراضي المهجورة وتحويلها إلى مكب نفايات، ليجتمع بعض الأهالي بعد عدة أيام ويقومون بحرقها لوضع قمامة جديدة.
تبعد أقرب “حاوية قمامة” مسافة 1 كم عن الحي الذي يقطنه أبو محمد، وهو ما دفع الرجل وأهالي الحي إلى رمي النفايات في قطعة أرض تعود ملكيتها لرجل غادر البلاد إلى تركيا منذ أعوام، يأمل أبو محمد بعدم عودة صاحب الأرض لأن ذلك سيتسبب بـ “مشكلة كبيرة” على حد قوله.
انتشار النفايات في واحد من طرقات بلدة سرمين -خاص
“ليس باليد حيلة” يقول أحد الجيران برفقة أبي محمد، فالمسافة الطويلة عن أقرب حاوية مختصة بالقمامة تحول دون الوصول إليها، و “لم تسفر مطالبتنا للمجلس بوضع حاويات في الحي عن شيء، ولم نتلقى أي رد منهم”، يزيد على ذلك ارتفاع درجات الحرارة الذي أسهم في انبعاث غازات كريهة من المكب الذي خلقناه بأنفسنا (قطعة الأرض المجاورة) وروائح لا تطاق.
إبراهيم نبهان رئيس المجلس المحلي في سرمين قال ردّاً على استفساراتنا “إن هناك 300 حاوية تنتشر في شوارع وأزقة البلدة، بعضها تالف وقديم، وأخرى لا تصلح، وينقص البلدة ما يقارب 60 حاوية لتغطية كافة الأحياء”.
وأضاف رئيس المجلس “على الرغم من امتلاك المجلس لـ نغل (تركس بسطلين أماميين للجرف وخلفي للحفر) وجرار مخصص للنفايات وسيارة ضاغطة وخمسة عشر عاملاً للنظافة، إلّا أن المشكلة تتفاقم بسبب ضعف الإيرادات المالية “.
ويشرح النبهان أن كلفة إزالة القمامة تحتاج إلى (2600 دولاراً) أجور عمال، وكلفة تشغيلية وتصليح آليات بمعدل (600 دولاراً)، ويعتمد المجلس على الواردات التي يستطيع تحصيلها من منهل الماء وفرن الخبز وضريبة النظافة التي تجمع من المحلات التجارية المنتشرة في السوق (2.5- 4 دولار شهرياً)، وهي لا تغطي إلا جزءاً قليلاً من الكلفة، يضاف إلى ذلك عملية ترحيل النفايات إلى المكب الرئيسي الموجود في مدينة سراقب التي تبعد (25 كم عن سرمين)، والكلفة الشهرية (غير المحقة برأي رئيس المجلس لأن المكب عام ولا يجب أن يتقاضى رسوماً) التي يدفعها المجلس لمكب النفايات هناك والبالغة (60 دولار شهرياً).
ويرجع النبهان سبب انتشار القمامة إلى عدم القدرة على دفع أجور العمال التي تم تخفيضها إلى (75 دولار شهرياً)، فباتت تدفع بشكل متقطع باعتبارها مكافأة، وليست كراتب شهري، بعد انتهاء مشروع منظمة people in need (للنظافة) في البلدة.
من جانبه قال وسيم نجار المسؤول في “مكتب خدمات سراقب لفوكس حلب “إن مكب النفايات في المدينة (يقع في الحي الجنوبي من المدينة (شابور) على الأوتوستراد الدولي حلب -دمشق) تستخدمه 13 قرية، ويتقاضى المكتب مبلغاً رمزياً من هذه المجالس (فقط القادرة على الدفع) يتم توزيعها كرواتب للعاملين في المكب، وكلفة تشغيلية لعمليات حرق النفايات وعمل آلية النغل التي تقوم بتنظيف المكب وتجريفه في أوقات متقطعة” منوهاً أن المجلس المحلي في سراقب قام ببناء ساتر للمكب، وإنشاء محرقة للأدوية الفاسدة، ومنصات لرمي القمامة وشراء النغل.
عملية تجريف النفايات في مكب مدينة سراقب -أنترنيت
لا يوجد في محافظة إدلب محطة لمعالجة النفايات، ويعتمد المسؤولين في المكبات على التخلص من القمامة بتجميعها ثم حرقها أو دفنها في التراب، وهو ما يشكل مخاطر صحية كبيرة على الإنسان والبيئة، يقول أحمد سعيد (مهندس زراعي) “إن هذه النفايات تحتوي على عدد من العناصر والمركبات الكيميائية، ويؤدي إحراقها إلى انبعاث غازات سامة، إضافة إلى أن مخلفات القمامة بعد الحرق تحتوي على عناصر وجريئات سامة تتسرب إلى المياه الجوفية وتعمل على تلويث المياه والتربة”.
من جهته قال الطبيب نضال العلي “يأتينا يومياً عشرات المصابين باللشمانيا (حبة السنة) معظمهم من الأطفال، والتي تعيش الذبابة الناقلة لها في القمامة والأماكن المهجورة” ويعزو الطبيب سبب انتشار هذه الجائحة إلى غياب مشاريع النظافة وانتشار النفايات، إضافة إلى أمراض أخرى كالربو وضيق التنفس وأمراض جلدية متنوعة ناتجة عن انبعاث الغازات بعد حرق النفايات.
التلوث الناتج وانبعاث الغازات بعد عملية حرق النفايات في مكب مدينة سراقب -أنترنيت
بعض القرى والبلدات أسعفها الحظ من خلال مشاركة بعض المنظمات الإنسانية (بنفسج – (people in need بتقديم الدعم لمشاريع النظافة فيها، من كلفة تشغيلية ورواتب عمال وسائقين وسيارات النظافة، إلّا أن هذه المشاريع مؤقتة ومحدودة بمدة زمنية لا تتجاوز (3-6 أشهر)، وعند انتهاء المشروع تتحمل المجالس المحلية أعباء كبيرة لا يمكن التعامل معها، ما سيؤدي إلى انتشار القمامة من جديد.
يطالب الأهالي في محافظة إدلب وريفها بإيجاد حلول دائمة، وأن تتحمل المؤسسات المختصة والمجالس المحلية مسؤولياتها في البحث عن مصادر تمويل، يقول أبو حسن “ربما يكون الحل في وضع ضريبة نظافة على السكان، على المجالس أن تقوم بدراسة حقيقية على الأرض للكلفة، وفرض هذه المبالغ على الأهالي من خلال رسوم وإيصالات” فـ “الحياة لم تعد تطاق مع هذه الرائحة والأمراض”، إضافة إلى “حملات توعوية ورسومات على الجدران توضح أهمية النظافة في الصحة العامة، وكيفية التعامل مع النفايات ووضعها في أكياس مخصصة وإغلاقها بإحكام، ورميها في الأماكن المخصصة”.
شمس الدين مطعون