يُلصق موالو الأسد بنا نحن أبناء الثورة تهمة (الإرهاب) ويختتمون في نقاشاتهم علينا السخرية بـ “جهلنا وتخلفنا وبعدنا عن المدنية والحضارة”، وعليه فهم يتمسكون في خطاباتهم المكرورة بدولتهم التي يقارنوها في كل مرة بـ “نهج بعض فصائلنا”، فتجدهم يركنون إلى خيارهم بالبقاء مع الجلاد والقتلة على أنّه القرار الصائب الذي يريح ضمائرهم أو ما تبقى منها، أو شماعة يعلقون فيها موقفهم اللاإنساني بإنقاذ ما يمكن إنقاذه من السوريين، بعد أن حكَمَهم (الأغبياء واللصوص)، ليُشرّعوا بدورهم أن الأسد على علّاته ومن معه من ميليشيات طائفية وشبيحة والحياة بينهم هي أقل وطأة من العيش في مكان يكون “أبو يقظان المصري” أكبر شرعيي هيئة تحرير الشام، حاكماً فيه.
وقدّمت الثورة السورية في مراحلها كافة، عن قصد أو دون قصد، مواد دسمة لمثل تلك الحوادث التي ارتكز عليها موالو الأسد في بناء قصتهم، من فيديوهات وصور ومقالات وتجاوزات لا يرضى عنه الثوار، ولكنها كانت دائماً ما تتفلت من بين أصابعهم لتجد مكاناً لها في عوالم التواصل الاجتماعي، ويتلقفها الآخرون ليصنعوا منها أدلة تثبت ضعفهم.
فكلما استطاعت الثورة السورية “حشر موالي الأسد في الزاوية” جاء من ينقذهم من حرجهم أمام أنفسهم بتقديم مثل هذه المبررات، لم يكن ما حدث في عفرين آخرها، ولن تقف عند الفيديو المتداول لشرعي هيئة تحرير الشام، الذي خطب فينا “فاتحاً” أمام حافلات بلدتي كفريا والفوعة، أثناء خروجهم من المدينة.
المحيسني بعد فك الحصار عن حلب المحررة 2016- أنترنيت
ذكّرهم بأنهم يخرجون من إدلب أذلّة، وجيّش في نفوسهم ونفوس موالي الأسد ما لا ينقصهم من الحقد، واستعرض نفسه ومن معه فيما يشبه مشهداً تمثيلياً، متحدثاً عن معارك منذ تسعة أشهر (لم نسمع بها). لقد نجح الرجل فعلياً في إذلال ركّاب الحافلات لدقائق، متناسياً أنا مررنا بمثلها خلال السنتين الأخيرتين وفي معظم مناطق الثورة، هو نفسه خرج بالحافلات من حلب في رحلة التهجير القسري الذي فرضته قوات الأسد يومها على المدينة، ومقدّماً سبباً آخر لجعل رواية موالي الأسد عنا محقة، بعد أن تناقل الآلاف منهم مقطع الفيديو الأخير “للفاتح المنتصر”.
لسنا هنا في صدد البحث فيما إن كان خروج أهالي كفريا والفوعة نصراً أم هزيمة لثورتنا، مع اختلاف الآراء والتحليلات في ذلك، ولكن علينا أن نقف مجدّداً لنبحث في فكرة الثورة الأخلاقية التي يجب أن تكون، واختيار السلوك المناسب الذي يليق بثورتنا ويعرّي أعداءنا، لا أن نعرّي ثورتنا فنرجف تحت عباءة أبو يقظان وأمثاله، ويضعونا في موقف الساكت أو الناقد للثورة وكأنهم هم من يمثلها لا من يسقطها.
كانت نظريات الأسد وسهيل الحسن ومن لف لفيفهم مثاراً للسخرية، ورقة تفاضل يتجاهلها موالوهم ظاهرياً، ولكنهم في قرارة أنفسهم كانت تشكل لهم عقدة حقيقة في أن يكون أولئك الأغبياء من يقودون دفة الحرب السورية، ولم يترك أبو يقظان لجمهورهم الموالي الفرصة في انتقاد تصرفات أسيادهم مع الخارجين من كفريا والفوعة، وكيفية تجاهلهم في مراكز الإيواء، وتخليهم عن (أبنائهم ومقاتليهم الصامدين)، واستطاع بحديثه أن (يُسمع الأسد وقواده ما يريدون) ليطمئنوا على نجاح ما يقومون به حتى دون عناء، وليظهروا للعالم أن “الروس” استطاعوا أن يضمنوا “تهجير أهلنا في مناطق الثورة” تحت أعين وصمت ضباط وشبيحة الأسد الحاقدين، وأن لا أحد في الثورة يستطيع أن “يضب أزعرنا”