الصورة من المؤتمر التأسيسي الأول لرابطة مصابي الحرب في قرية ترمانين -فوكس حلب
يعمل أحمد نمر “49 عاماً” في دكان تصليح الدرّاجات الذي افتتحه منذ أشهر، في قرية ترمانين (33كم غربي مدينة حلب)، بعد التهجير القسري الذي طال أبناء حلب في نهاية عام 2016، وسيطرة قوات الأسد، التي حرمت أحمد من المشي بعد تعرضه لبتر في طرفيه السفليين إثر غارة جوية، على المدينة.
فقد أحمد الثقة بالمنظمات الحكومية والإنسانية بعد خروجه من المدينة، مع غياب الدعم بأشكاله المختلفة المادية والمعنوية، حاله كحال الآلاف من الذين تعرضوا لإصابات حدّت من قدرتهم على مواجهة الحياة والعمل، فثمان سنوات من الحرب كانت كفيلة بترك أثارها النفسية والجسدية على المصابين، ربما آثار الحرب النفسية ستظهر لاحقاً، أما الآثار الجسدية فصارت حقيقة ملموسة تراها كيفما تحركت في أي شارع أو قرية.
رفض أحمد منذ أسابيع أن يملأ استبياناً خاصاً بإنشاء رابطة موحدة لمصابي الحرب، “لم يكن لدي قناعة بجدوى هذا العمل” يقول، ولكنه وأمام إصرار الرجلين الذين طلبا منه الانضمام لإثبات مصداقية ما تقوم به منظمة “بلسم” التي ينتميان إليها، وإعجابه بالشعار المطروح للحملة “إصابتي ليست عجزاً” قرر الانضمام.
يقول أحمد” تمت دعوتي لحضور مؤتمر خاص بالمصابين في قرية ترمانين. لاقت الفكرة قبولاً لدي، خاصة وأن المؤتمر خاص بالمصابين ويهدف لإعطائهم دوراً حقيقياً في المجتمع، حضرت المؤتمر مع أكثر من 130 مصاباً، وتم انتخابي كعضو في لجنة المتابعة”. ويضيف “نحن لا نطالب اليوم بدعم مادي بشكل رئيسي، نحن نطالب بفرص عمل، وبحاجة لإثبات وجودنا في هذه المجتمع لأننا مصابين ولسنا معاقين، فنحن نملك عقلاً وقادرين على العمل، ونسعى لإثبات وجودنا ولا ينقصنا إلا التحفيز النفسي”.
وعن تأسيس الرابطة تقول “فاطمة غزال” مديرة الحملة لفوكس حلب: قمنا مؤخراً في منظمة بلسم بإطلاق حملة “إصابتي ليست عجزا”، ويعتبر تأسيس رابطة لمصابي الحرب من أهم فعالياتها، حيث تم عقد الاجتماع التأسيسي لأول رابطة من هذا النوع في مدينة ترمانين بتاريخ 28/06/2018، ثم تطورت الفكرة لتصل مدينتي ” الدانا” و” سرمدا”، وتم عقد اجتماع وتأسيس رابطة مشابهة في كل مدينة بحضور أكثر من مئتي مصاب في المؤتمرات الثلاثة. وسيتم لاحقاً دمج الروابط الثلاث في رابطة واحدة. وبعد انعقاد المؤتمر الأول تم انتخاب لجان لمتابعة عمل الروابط وجميع الأشخاص الذين تم انتخابهم من المصابين، وكانت هذه الخطوة هي أول مراحل زراعة الثقة بنفس المصاب لإقناعه بأنه شخص سليم قادر على العمل في كافة مناحي الحياة.
وتهدف الرابطة إلى تفعيل دور المصابين وتمكينهم وإعادة دمجهم بالمجتمع، بالإضافة إلى توحيد مطالبهم وتمثيلهم بشكل رسمي ومنظم لمخاطبة كافة الجهات الفاعلة في المجتمع المدني.
وأضافت غزال “الفكرة جاءتنا من وحي عملنا، فنحن نعمل على تركيب الأطراف الصناعية والعلاج الفيزيائي للمصابين منذ عام 2015، ونتيجة تعاملنا المباشر مع المصابين لمسنا حالة من تهميش المجتمع لهذه الفئة في الوقت الذي بتنا فيه بحاجة لكل فرد من أفراد المجتمع للنهوض بواقعنا”.
صورة من المؤتمر التأسيسي الأول لرابطة مصابي الحرب في قرية ترمانين -فوكس حلب
يأمل القائمون على الحملة بتوسيع هذه الخطوة وتطويرها لتشمل كافة المناطق المحررة، وتقديم إحصائية دقيقة لأعداد المصابين وحالات إصابتهم وتنظيم أمورهم ونقل صوتهم إلى المنظمات الإنسانية ومؤسسات المجتمع المدني علّه يجد أذنا صاغية لإعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع.
للمرة الأولى يشعر أحمد بوجود معنى حقيقي لحياته، فبعد انعقاد المؤتمر بفترة بسيطة عاد عدد من المصابين إلى العمل من جديد بعد توقفهم عن أعمالهم نتيجة الإصابة، هؤلاء الشباب كانوا بحاجة للدعم النفسي وزرع الثقة في نفوسهم من جديد، وهذه أهم المحاور التي بُدئ العمل عليها.
أمام دكانه اليوم، تجد أحمد برفقة اثنين من أصدقائه المصابين في الرابطة (قام أحمد بتشغيلهم) يحاولون إنجاز عملهم، وكلهم ثقة بغد أفضل ينتظرهم.
محمد الأسمر