انتخبت السيدة إيمان هاشم يوم أمس الخميس 28/6/2018رئيساً للمجلس المحلي في مدينة حلب الحرة، كأول امرأة تتسلم هذا المنصب في المناطق المحررة منذ تشكيل المجالس المحلية في سوريا.
والسيدة إيمان هاشم “أم الأمين” درست في (كلية الآداب والعلوم الإنسانية قسم اللغة العربية) من أوائل النساء المشاركات في الثورة السورية، وكان لها دور كبير في مفاصل الثورة السورية في مختلف جوانبها (التعليمية والإغاثية والصحية)، إذ شاركت في المظاهرات الأولى وقدمت بيتها لإسعاف جرحى المظاهرات، وشاركت في الأعمال الإغاثية والتعليمية وكانت رئيسة المكتب التعليمي في المجلس المحلي لمدينة حلب 2015-2016 وساعدت في تهيئة الكوادر التدريسية، ومع تهجير أبناء المدينة أسست مدرسة “سنعود” في جمعية زهرة المدائن في ريف حلب الغربي لتترشح مرة أخرى قبل أيام وتختار لتكون واحدة من عشرين ناجحاً في انتخابات الهيئة العامة، ولتعين رئيساً للمجلس المحلي في مدينة حلب، وتكون بذلك أول امرأة تتقلد هذا المنصب في المناطق المحررة.
ومنذ انتخابها شهدت وسائل التواصل الاجتماعي انقساماً حول “أحقية المرأة في استلام منصب رئاسة المجلس المحلي” بين معترض على توليتها ومدافع عنها، وطالب الشيخ عبد القادر فلاس، عضو الهيئة العامة في مجلس محافظة حلب، رئيسة المجلس بالاستقالة اعتماداً على فتوى دينية مستمدة من حديث شريف للرسول محمد صلى الله عليه وسلم “لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة”.
الرد على الفهم الخاطئ للحديث الشريف
وذكر العلماء أن حديث النبي صلى الله عليه وسلم جاء بمناسبة تولي امرأة حكم دولة فارس، وهو حديث صحيح، إلّا أنهم فنّدوا رأي الغلاة باستخدام الحديث لمنع المرأة من استلام مناصب سياسية وقضائية في الدولة، وخصّوا المنع بالولاية الكبرى (الرئاسة والخلافة) وذلك لما كان يقع على عاتق الحاكم في ذلك العصر من مهام دينية تتعلق بالإمامة (صلاة الجمعة والعيد والاستسقاء) وأخذ القرار بالحرب والسلم، وأجازوا للمرأة تولي الولايات العامة والوزارات وما في حكمها وعضوية مجلس الشعب والشورى والقضاء.
واعتبروا المستظلين بالحديث السابق واعتمادهم عليه لمنع وتحريم مشاركة المرأة في الولاية فهماً خاطئاً ومغلوطاً إذ لا يوجد في القرآن والسنة ما يؤيد كلامهم وهناك الكثير من الآيات والأحاديث التي تدل على مخالفتهم وتفنيد رأيهم.
وإن كان لم يحدث سابقاً في العصور الإسلامية الأولى فليس من باب التحريم، وإنما لطبيعة المهام آنذاك، وانفراد الرأي للشخص التي تناط به المهمة أما الأمر اليوم فهو يدار عبر مؤسسات كاملة لا ينفرد بها شخص بحكم.
وإن كان الإسلام أول من أعطى للمرأة حقوقها الكاملة وخصها بالتساوي مع الرجل في الخطاب الديني، إلّا في بعض الآيات الخاصة بكل جنس، فإنه ومن الأولى، بحد قول العلماء، أن يسمح لهن بما لم ينهاهن عنه القرآن والسنة.
وقد حظيت المرأة السورية بحقها في الانتخاب والترشح للبرلمان والمؤسسات الاجتماعية والسياسية منذ 1949 ودخلت لتخوض معترك العمل السياسي بنائبتين في مجلس الشعب إبان الوحدة السورية المصرية عام (1960) وهما جيهان الموصلي ووداد الأزهري ليصبح لهن في عام 1965 ثمانية مقاعد ويرتفع هذا العدد إلى ثلاثة عشر مقعداً في عام 1966.
ومع الثورة السورية مثلت النساء ركناً مهماً منذ البدايات الأولى جنباً إلى جنب مع الرجل في المظاهرات والمؤسسات الخدمية والاجتماعية والتعليمية والسياسية وحتى العسكرية وتحملن العبء الأكبر في عمليات القصف والتهجير، وأثبتن، بما لا يقبل الشك، قدرتهن وصبرهن وتضحياتهن للوقوف في وجه الظلم وتحملهن للظلم والاعتقال وهذا ما دفع كثير من الناشطين إلى مباركة هذه الخطوة المستحقة لإيمان هاشم ودعمها للاستمرار والمباركة لها والإشفاق عليها من المسؤولية التي أنيطت بها، والتأكيد على أن هذه الخطوة لن تكون الأخيرة وستكون المرأة حاضرة دائماً على كافة الأصعدة.
وتساءل الناشطون عن سبب هذه الحملة والدعوة إلى الاستقالة، وعن الفارق بين أن تكون المرأة رئيسة لمكتب تعليمي أو خدمي وبين أن تكون رئيسة للمجلس المحلي؟
وكيف تحول بعض الأشخاص من الفخر بالمرأة السورية الثائرة إلى محاربتها “لأهداف شخصية” على حد قول بعض الناشطين. في الوقت الذي ذكر فيه أحدهم بأن (وزيرتين) كانتا في حكومة حماس (الإسلامية) خلال السنوات الأخيرة، فلماذا ما يحل لغيرنا يحرّم علينا؟؟
يمكن القول، إن انتخاب إيمان هاشم صورة حقيقية للثورة السورية ومفرزاتها الحضارية، وتجلٍّ مهم للحفاظ على الحقوق، بمعزل عن الجنس واللون والطائفة، وهو ما سعت الثورة لتكريسه منذ بدايتها في الحرية والكرامة والعدالة.