مشاهدة مباريات كأس العام في إحدى مقاهي الأتارب -خاص فوكس حلب
“لا يمكن للإنسان أن يتخلّى عن شغفه” يقول أحمد وهو يحاول البحث في جهازه المحمول عن رابط لمتابعة المباراة، صوت المعلّق يظهر لثوانٍ، ثم يعود محرّك البحث للدوران. يرمي أحمد الهاتف على الأرض “الأنترنيت زفت، يا ريتني اشتريت كرت”.
ثمن الدخول إلى مقهى لمشاهدة المباراة أن تشتري “طلبين عالاقل”، وسعر الطلب لا يقل عن 500 ليرة سورية، ثمّ من سنتابع في هذا المونديال، يكمل أحمد.
تنوعت آراء ومواقف المتابعين لكأس العالم هذا العام، إذ بات من المستحيل فصل الرياضة عن السياسة. ففي المناطق المحررة انقسم الناس بين مشجّع على مشاهدة المباريات ومقاطع لها، ليتعزز ذلك الانقسام بين الفئتين أيضاً، فالمتابعون لشغف المستديرة لم يعد انقسامهم قائماً على الفرق التي يشجعونها بل عملوا على ربطها بمواقف تلك البلدان من ثورتهم، إذ لا يمكن لعاقل أن يشجّع إيران على حساب المغرب، كما لا يمكن تشجيع روسيا على حساب السعودية ولا يمكن فصل مواقف بن سلمان الأخيرة وتأثيرها السلبي في نفوس السوريين على الرغبة في خسارتهم، وفي الوقت ذاته وبالرغم من محبّة المشجعين لمحمد صلاح يطلّ علينا السيسيى (رئيس مصر) برأسه عند كل فرصة وفي وجه كل لاعب.
وحّد بين المنقسمين شعار واحد “كره روسيا وإيران وتمني خسارتهما”، فلم يعدْ أكثر المتابعين الشغوفين بالرياضة يبحثون عن الفوز بقدر ما يبحثون عن خسارة أعدائهم، تلك العداوة لتي لم تعد قائمة على مواقف رياضية بل ارتبطت جذرياً بذاكرة السوريين وشهدائهم ودمائهم وبيوتهم التي هُجّروا منها.
المقاطعون يبحثون عن تسجيل موقف علني، هو كذلك، كما أنهم متهمون بأنهم بالأساس من الأشخاص غير المتابعين لكرة القدم، إذ لا فرق بوجهة نظر المشجعين بين جميع الفرق، ففي الوقت الذي يقام فيه هذا “العرس الكروي” يموت آلاف السوريين ويهجّر الآخرين، على مسمع ومرأى العالم أجمع.
كأس العالم في صالة تركمان بارح -خاص فوكس حلب
ليس هناك رسائل واضحة قدّمها نجوم الرياضة العرب ليعبروا عن موقفهم تجاه قضية الثورة العادلة، ما الضير إن فعلوا؟
لماذا علينا أن نحبهم، لماذا سنتعاطف مع الكرة ونحزن لخسارة المنتخبات العربية الثلاث في اليومين الماضيين، نكزّ على أسناننا مع كل فرصة ضائعة، ونطرق برؤوسنا عند كل خسارة، وندفع ثمناً لذلك جزءاً من قوت عيالنا؟ ويقابلوننا باللامبالاة تجاه صور أطفالنا التي تموت، كانت حصيلة يومي المونديال عشرة شهداء سوريين، بعضهم أطفال كان يجب أن يتابعوا مونديالات كثيرة، أن يحبّوا فرقاً ونجوماً كثيرين، أن يحملوا أعلاماً ملونة، وأن يدفعوا نقوداً كثيرة أيضاً.
إن كان لا بد من كأس للعالم، فعلى العالم أن يراقبنا، نحن أيضاً، أن ينظر إلينا لا كربح وخسارة بل كمحبين للحياة.