لا أعرف من الذي أطلق اسم “النكسة” على الخامس من حزيران، يوم هزمَتنا “إسرائيل” في الوقت الذي كنا نخطط كـ “عرب” لهزيمتها ورمي جنودها في البحر، لتكمل سيطرتها على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية وأجزاء من مصر وسوريا.
كان المُتداول بين أبناء جيلنا (الجيل اللاحق للهزيمة) أنّ حافظ الأسد لن يقبل بالتفاوض مع العدو الإسرائيلي، وأنه سيقودنا حتماً لمعركة قادمة نستطيع فيها استرجاع أراضينا وإعادة فلسطين، بعض المنظرين للفكرة أرجع السبب إلى كونه، أي الأسد، لن يحارب لاسترجاع الأرض بل لاستعادة ثأر شخصي له من هزيمة حزيران التي كان يترأس وزارة الدفاع أثناء حدوثها، أما البسطاء فكانوا ينتظرون أي أمل لاستعادة كرامتهم المفقودة ليتعلقوا بأي قشة، حتى لو كانت تلك القشة هي التي قصمت ظهر البعير، بحسب المثل المتداول. أما من عايش تلك المرحلة فكان يعلم يقيناً أن تلك الشعارات الرنانة ما هي إلّا كذبة أخرى يتسلق بها الأسد ورجالاته على قضايانا لتدجينها وفتح بازارات مع الدول الغربية يكون تثبيت حكمه وملء جيوبه وجيوب عائلته الثمن للبيع والخيانة.
أذكر أن أحد الشباب الفلسطيني قال مرة إبان ضرب الرئيس العراقي صدام حسين لبعض الصواريخ على “إسرائيل” في خضم حربه على الكويت “فلسطين باتت سجادة يمدّها كل من يريد أن ينافق ويكذب على العرب والمسلمين”.
لم تكن حرب تشرين هذه المرّة في حزيران، فـ حزيران هذا فأل شؤم على الأمة العربية، إلّا أن هذه الحرب أضافت لنا شهر بؤس آخر، حين بات الأسد بطلاً يُسوّق له في أعين الجميع كرجل الحرب والسياسة، ولتبدأ سياسة القهر التي سيمارسها كمنتصر، هذه المرة كانت البوصلة واضحة والثأر في متناول اليد، خاصة حين يكون المطلوب بالثأر نحن الشعب السوري البسيط، وليقتل فينا كل ما من شأنه أن ينتصر لكرامتنا وأفكارنا في البحث عن وطن يليق بالحياة، لا وطن يختبئ خلف إنجازات القائد الأوحد الخالد وشعاراته وقبضته الأمنية، ليصبح للحيطان آذان، هذه المرة صار لها آذان حقاً.
بموت الخالد في العاشر من حزيران نفسه، كان السوريون على موعد للتصالح مع هذا الشهر. فـ القائد الخالد الأوحد الأول في كل شيء هزمه الموت في حزيران، ليطلّ علينا مروان شيخو وينعيه بكل صفات الألوهة والعظمة. لم يُصدّق السوريون ما حدث، تضاربت كل المشاعر وقتها، هذا الرجل لا يموت فكيف استطاع شهر أن يهزم أسداً؟
وصف البعض موته بالنكسة الثانية، وإن كنا سنوافق على ذلك التوصيف لا لشيء، فقط للتشابه بين ما أحدثته “إسرائيل” ككيان محتلّ في الواقع العربي وبين ما أحدثه هذا الرجل خلال أعوام حكمه الثلاثين من شرخ في بنية الإنسان السوري وطريقة حياته.
كان لموته ذلك الأثر بالانعتاق في “نفوس السوريين سرّاً”، إلّا أن حزيران أبى ذلك فكان لا بدّ من نكسة ثالثة تضاف إلى هذا الشهر البائس. عُدّل الدستور ورُفّع الأسد الابن –خليفتنا الجديد- إلى رتبة فريق ليعين قائداً للجيش السوري، ورئيساً لحزب البعث العربي الاشتراكي، ولم يكد ينتهي حزيران 2000 حتى كانت الطريق سالكة أمام استلام الأسد الابن رئاسة الجمهورية.
مجلس الشعب السوري يوافق بالإجماع على التعديل الدستوري بعد ساعات من موت حافظ الأسد -أنترنيت
من سيكون إن لم يكن هو؟ وهل في سوريا من هو أقدر من أبناء الأسد على الحكم؟ تلك كانت ربما “كلمات حزيران” التي تناقلناها جميعاً دون أيّ اعتراض.
يمرّ حزيران هذا العام، دون الوقوف على النكسة، فسوريا بشار الأسد كانت وخلال السنوات الثمان الماضية، مع انطلاق الثورة السورية، على موعد مع نكسات أشد وطأة وأكثر إجراماً، يزيد عليها أن يأتي العيد هذا العام في حزيران ونحن في المنافي، هذه المرّة، دون أن نستطيع الدخول إلى حلب، نحن المطلوبين بالثأر الجديد.