حلول جدية في الريف الشرقي والشمالي لمدينة حلب
يحاول النحّال محمد رضا حمدان (معلم مدرسة ومربي نحل منذ 2002، في ناحية أخترين شمال حلب) أن يُعوّض خلايا النحل التي خسرها خلال السنتين الأخيرتين، إذ انهارت معظم الخلايا التي يملكها وعددها (108) خلايا لأسباب كثيرة أهمها: الحصار في مناطق محددة وغياب المراعي والحرب والاشتباكات الدائرة.
تراجع عدد الخلايا والإنتاج في سوريا
قُدّر حجم تراجع عدد خلايا النحل وإنتاج العسل في سوريا بنسبة تزيد عن 75%، وتصل في بعض المناطق إلى 90%، إذ تناقص عدد الخلايا بحسب إحصائية أجراها “اتحاد النحالين العرزب” في سوريا، من 700 ألف خلية في 2010 إلى 100 ألف في العام 2015، بينما تراجع الإنتاج إلى 300 طن بعد أن كانت سوريا تنتج 3000 طن في العام الواحد.
وفي الريف الشمالي والشرقي لمدينة حلب (محور الدراسة) قدّر المهندس الزراعي محمد علي، رئيس دائرة الزراعة والثروة الحيوانية في المجلس المحلي لمدينة الباب، نسبة التراجع في أعداد الخلايا والإنتاج بـ90% عن السنوات السابقة، إذ تم هذا العام إحصاء “550 خلية نحل فقط في مدينة الباب وريفها، منها 200 خلية بلدية و350خلية فنية”.
الأمر الذي أكده النحّال حمدان عضو “جمعية النحّالين الأحرار في حلب”، فقد خسر معظم النحّالين القدامى خلايا النحل خاصتهم وتراجع انتاجهم، ما استدعى البحث عن حلول جدية لاستعادة هذه الثروة التي كان يعمل بها أكثر من 35000 نحّالاً في سوريا، وما كانت تحققه من وارد مالي لإعالتهم، بالإضافة إلى الدور الكبير للنحل في التلقيح الطبيعي للأراضي الزراعية الذي قدّرته الدراسات بـ “40%-65%” من زيادة الإنتاج.
أسباب تراجع أعداد الخلايا والإنتاج
يقول النحّال محمد لفوكس حلب إن السبب الرئيسي الذي أدّى إلى هذا التراجع هو “الجوع”، فالنحل يحتاج إلى المراعي وإلى درجات حرارة معتدلة، ويغيب نشاطه في الأحوال الجوية السيئة، ومع انقسام المناطق السورية، وانعدام فرصة التنقل بين المناطق بات النحل محاصراً كالبشر، وهذا ما أدى إلى موت أعداد كبيرة من الخلايا.
سابقاً، كان النحالون يتنقلون في جميع المحافظات لسورية بحسب فصول السنة، بين اللاذقية والساحل السوري ثم إلى إدلب في موسم الكزبرة واليانسون وإلى ريف الحسكة (رأس العين وتل أبيض) وريف حلب الشرقي خلال أشهر السنة، لتأمين المراعي والظروف الجوية الملائمة.
في الوقت الذي أرجع فيه النحّال عبد الله المحمد السبب في هذا التراجع وموت النحل إلى “انعدام الخدمات، فالأدوية مفقودة أو مرتفعة السعر إن وجدت، وتراجع الزراعة بسبب ظروف الحرب، وعدم قدرة النحّالين على شراء النحل والملكات وتحسين السلالات”.
ويروي النحّالون أن الحرب والاشتباكات الدائرة ونزوح الأهالي (في المعارك مع داعش) ساهمت إلى حد كبير في موت الخلايا التي كانت تُترك لأشهر في بعض المناطق، دون القدرة على الوصول إليها لخدمتها وتقديم المياه والأدوية لها، ما أدى إلى موتها، كما أنها تعرّضت للسرقة أو الاستهداف بالقذائف والصواريخ، كما أدى صوت الانفجارات إلى موت أعداد كبيرة من النحل.
جمعية النحّالين السوريين الأحرار
تأسست الجمعية في آذار 2017، من خلال تواصل عدد من النحالين القدامى في الريف الشمالي والشرقي لمدينة حلب (جرابلس –الباب –إعزاز –أخترين –مارع –صوران).
للجمعية هيكلية إدارية رسمية مكونة من رئيس للجمعية وأمانة للسر ومكتب مالي ومكتب علاقات عامة ومكتب للتوثيق ولجنة للمراقبة والتقييم ومكتب إعلامي.
الجمعية مرخصة في المجلس المحلي لمدينة إعزاز ومحافظة حلب الحرة والحكومة المؤقتة، ويتم الانتساب لها بشرط أن يكون النحّال معروفاً من قبل بعض النحّالين القدامى، ويحصل المنتسب إليها على بطاقة نحّال ويدفع رسوماً سنوية (10 دولار).
تسعى الجمعية من خلال عملها وغرفة الواتس آب المُشكّلة من قبلها، على مساعدة النحالين وتبادل الخبرات والوقوف على أهم المشاكل والمعوقات التي تواجه تربية هذه الثروة، المجالس المحلية تسعى للحل والجمعية تراها قاصرة.
توزيع خلايا جاهزة
قال المهندس محمد علي إن المكتب الزراعي في المجلس المحلي لمدينة الباب وريفها ومجالس أخرى في الريف الشمالي لمدينة حلب، قامت باجتراح حلول لمساعدة النحالين على الاستمرار وتعويض خلايا النحل التي تضررت بالتعاون مع الحكومة التركية، وذلك من خلال تقديم خلايا جاهزة بمعدل وسطي (20 خلية للنحّالين القدامى) و (10خلايا للنحّالين الجدد) وفق مشروع دعم مجاني، وتم تغطية ما يقارب 70% من النحّالين القدامى في مدينة الباب وريفها، والبالغ عددهم (125 نحّالاً، 40 منهم من النحّالين القدامى) بحسب رئيس المكتب، الذي قال بإن الأولوية في التوزيع كانت للنحّالين القدامى من المتضررين بغية زيادة أعداد الخلايا، ومن ثم سيتم استرجاع قسماً منها وتوزيعها على نحّالين جدد.
وعن هذا المشروع يقول النحّال محمد رضا الحمدان إن هذه الخلايا الجاهزة كانت من النوع القوقازي الهجين من الفئة الثانية، وهي من سلالة جيدة تفوق السلالة التي كانت موجودة في سوريا سابقاً بنسبة بسيطة، إلّا أنها وُزعت بطريقة خاطئة “فلم يحصل سوى 25% من النحّالين القدامى على هذه الخلايا، في حين قام المجلس بتوزيع الباقي على نحّالين جدد أو بالواسطة والمحسوبيات لمن لا يعرف التمييز بين النحل والذباب”، ويرى حمدان أن هذا التوزيع غير العادل سيؤدي إلى زيادة عدد الخلايا عند النحّالين ذوي الخبرة، وموت الخلايا عند الآخرين.
ويروي حمدان أن الخلايا التي وُزعت كانت من خمسة إطارات مكتملة (ملكة وذكور وعاملات)، وقد تفاجأ برسائل على غرفة النحالين حول بعض الأمور الأساسية التي غابت عن النحالين الجدد ممن وزعت لهم الخلايا، لتبقى على حالها بعد أن جهلوا توسيع الإطارات ونزع الفلين ما جعل الخلايا تبقى على حالها، في حين تطورت عند النحالين القدامى إلى 20 إطاراً خلال 45 يوماً.
وكانت الجمعية قد طالبت الحكومة التركية تسليمها المشروع لتوزيعه بالشكل المناسب لكن الأخيرة رفضت ذلك بحجة عدم قدرتها على التعامل سوى مع المجالس المحلية!
خلايا فنية وأخرى بلدية
الخلايا الموزعة في المشروع جميعها خلايا فنية تفتح من الأعلى وتحتوي على إطارات ويسهل التحكم بها والتعامل مع النحل داخلها، في حين تعتبر الخلايا البلدية عبارة عن صندوق خشبي مغلق من الجهات الأربعة يفتح من الخلف، ويصعب التعامل مع النحل داخله وخدمته.
نبات اللافندر (خبز النحل)
مشروع النحل المقدم من الحكومة التركية قام بتقديم شتلات من نبات اللافندر(الجاذب للنحل)، والذي يقوم بمهمة (رعوية وطبية)، بحسب رئيس مكتب الزراعة في الباب.
إلّا أن عدد الشتلات التي قدمت (بعمر سنة) كان قليلاً، ما اضطر المجلس لزراعتها في مشاتل خاصة للعناية بها وزيادة عددها ومن ثم توزيعها على النحّالين في العام القادم.
وتعتبر نبتة اللافندر مجهولة عند النحّالين السوريين سابقاً، إلّا أن النحّال محمد قال “إن الحكم على النبتة سابق لأوانه ريثما يتم إزهارها، ومن ثم نرى استجابة النحل لها”، وبحسب دراسات فـ “إن كل دونم من اللافندر يكفي لـ 100 خلية نحل” في حين “تحتاج 30 خلية من النحل إلى 10دونمات من الكزبرة على سبيل المثال”.
هندسة النحل
يحتاج النحل إلى عناية خاصة، “فهو مدلل ومو كل شخص بيقدر يربيه”، على حد قول النحال محمد، وعن أهم الأساسيات التي يجب أن تتواجد في النحّال: أن يكون على علم بالمراعي، وخبرة بمواعيد تفتح الأزهار، وخبرة بأحوال الطقس واتجاهات الرياح، واختيار الموقع المناسب لوضع الخلايا، ومعرفة بأحوال النحل وأمراضه وطرق تلقيحه وإكثاره.
وتعتبر أشهر الربيع هي الأشهر الأفضل لتكاثر النحل، إذ من الممكن أن يتضاعف عدد الخلايا خلال هذه الأشهر إلى ضعفين أو أكثر، بينما يتضاءل التكاثر في فصل الصيف وينعدم في فصل الشتاء، وتعتبر درجات الحرارة بين (20-29) الدرجات الأنسب للتلقيح والتكاثر.
وينتج النحل كميات من العسل وسطياً (15 كيلو غرام للخلية الواحدة في العام)، كما ينتج غبار الطلع والغذاء الملكي والبربوليس، ويصل سعر كيلو الغذاء الملكي إلى 1300 دولارا،ً بينما يبلغ سعر كيلو غبار الطلع 30 دولاراً، والعسل يتراوح بين 30-50دولاراً بحسب نوعه.
وإنتاج العسل عملية معقدة جداً يقوم بها مجتمع النحل، حيث يؤكد خبراء النحل أنه “للحصول على 450 غراماً من العسل يقتضي الأمر تحليق 60000 نحلة لزيارة بين 3-5 ملايين زهرة، عبر رحلات يقطع خلالها النحل مسافة تقارب 89 ألف كيلو متر، بمتوسط 24 رحلة يومياً لكل نحلة، للحصول على رحيق الأزهار وحبوب الطلع الكافية لصنع تلك الكمية من العسل، وهذا أمر يتطلب كثيراً من العمل الجماعي وكثيراً من الوقت”.
وأقصى ما تستطيع النحلة حمله من رحيق حوالي 70 ميليغراماً (85% من وزنها بينما تحلق الطائرات بحمولة تصل إلى 25% من أوزانها فقط)، ولكن متوسط ما تحمله يتراوح بين 20 إلى 40 ميليغراماً، حيث يعتمد ذلك على مدى جاذبية الرحيق للنحلة ودرجة الحرارة وخبرة النحلة في جمع الرحيق وشدة موسم الفيض، ولجمع حمولة واحدة من الرحيق تزور النحلة بين 100-1500 زهرة.
يتجهز النحّالون في ريف حلب الشرقي لنقل الخلايا إلى محافظة إدلب للاستفادة من موسم اليانسون هناك، “صار لدينا خيارات وآفاق جديدة لتحسين السلالات وزيادة الإنتاج هذا العام”، يخبرنا النحال محمد وهو يستعد للموسم الجديد.