ارتفاع ثلاثة أمتار وعرض متر واحد تقريباً كانت كافية بنظر من أنشا الجدار (الحكومة التركية) ووضعه على الحدود، انطلاقاً من محافظة أنطاكيا التركية الحدودية مع محافظة إدلب في منتصف آب/أغسطس عام 2015، وعلى طول 550 كيلو متراً بشكل متقطع، لتمنع أي شخص من دخول وعبور الحدود السورية -التركية بالاتجاهين، إلّا أنه لم يشكل عائقاً وجعل من عبور الحدود أمر صعب إلا أنه ليس بـ (مستحيل).
ومع بناء الجدار عام 2015، تضاءلت أعداد الوافدين إلى تركيا عبر طريق التهريب حتى نسبة 20 أو 30 % قياساً على الفترة التي سبقت بناءه بين عامي 2012 -2014، وعلى الرغم من وجوده إلا أن المهربين وجدوا بعض الثغرات فيه وبدؤوا يستغلون عوز الناس الهاربين من جحيم الحرب، لتتحول مسألة دخول الحدود إلى تجارة رابحة لدى المهربين قوامها يصل لنحو 600 دولار أمريكي في بعض الأحيان للشخص الواحد، بعد أن كانت عملية تهريب الشخص قبل بناء الجدار لا تتجاوز الـ 100 دولار على أكثر تقدير.
في كل يوم ومع غروب الشمس تبدأ محاولات عبور الحدود من قبل عشرات السوريين، منهم من يتجه إلى طرقات ترصدها قناصات حرس الحدود التركية عله يشق طريقه إلى الأراضي التركية (خلسة)، أما القسم الأعظم فيتجه إلى مناطق الجدار حيث يحاول وعن طرق السلالم تجاوزه والانتقال إلى الأراضي التركية عبر أشخاص امتهنوا (التهريب)، مقابل مبالغ باهظة، بأساليب تختلف بحسب الظروف الأمنية التي يفرضها الجيش التركي في كل يوم. ورغم كل ما تم وضعه من (عوائق) على طرق التهريب كما باتت معروفة لدى السوريين، ما زالت عمليات التهريب -التي قد تكلّف بعض السوريين حياتهم برصاص القناصة التركية أو تعرضهم للإهانة والإذلال من قبل الجندرما بعد أن يتم مسكهم وترحيلهم إلى الأراضي السورية- قائمة.
وجود الجدار دفع عدد من السوريين إلى تغيير موقفهم، نتيجة خوفهم من رحلة محفوفة، إلا أن هذا الموقف غالباً ما يصطدم بإغراءات المهربين وتسهيلهم للأمر وفق ما يطلق عليه السوريون بمثل شعبي (تحويل البحر لطحينة)، حيث كانت أحاديث المهربين ودعواتهم للناس سواء على الانترنت ومواقع التواصل أو غيرها تتحدث عن (جدار) فقط يفصل السوريين عن دخول الأراضي التركية، مع إغفال تام (متعمد) للخندق المحفور أسفله وكاميرات المراقبة ودوريات الجندرما التي تتربص على طول الحدود.
“لم أتوقع أن أنجح في العبور أو أن صحتي ما زالت تسمح بالقيام بذلك، كذبوا علينا عندما قالوا لنا أن الدخول كالسير في أرض زراعية مثمرة، تسلق الجبال وعبور الأسوار لا يناسب عمري لكن حدث ما حدث وكانت الرحلة شاقة جداً “، تقول عجوز ستينية عبرت الجدار برفقة شابين من أقاربها. الوقوف أمام الجدار سيصيب أي شخص بالإحباط والخوف الشديد، فالإحباط يكمن في ارتفاع الجدار وصعوبة تسلقه والخنادق التي تم حفرها بمحاذاته على الطرف الآخر، بحيث من يحاول العبور سيسقط في الخندق لا محالة. وأما الخوف فيكمن في دوريات الجندرما وقناصاتها التي لا ترحم صغيراً أو كبيراً، ففي أحسن الأحوال يتم إجبار الشخص على العودة بذات الطريقة التي جاء بها في حال القبض عليه وإن لم يُقتل.
أثناء تسلق الجدار في الطرف السوري
“كنت أريد العودة عندما شاهدت ما شهدته، جدار مرتفع جداً وخندق عميق، كلام المهربين في مواقع التواصل لا يطابق الواقع، الدخول بهذه الطريقة هو بمثابة رمي للنفس في التهلكة، لكن العناية الإلهية كانت كفيلة بكل شيء حتى بموافقتي على الدخول بعد ما رأيته”، يقول الرجل الأربعيني الذي كتب له الوصول، لينهي حديثة بضحكة ساخرة “خفت ما أرجع شوف المرا والولاد”.
عبور الخندق أسفل الجدار له حكاية بحد ذاته وطريقة تجاوزه تختلف بين منطقة وأخرى، في غالبية النقاط المستخدمة بعمليات التهريب عبر الجدار استعان المهربون بالسلالم لتجاوز الخندق والجدار في آن واحد، يتسلق أحد المهربين الذين يكونون غالباً في مثل هذه الحالات عبارة عن مجموعة تتكون من أربعة أشخاص الجدار عبر سلم يتم نصبه من الطرف السوري، يجلس على الحافة ويقوم زملاؤه برفع السلم إليه ثم يقوم بدوره بإلقائه بشكل أفقي فوق الخندق الذي لا يتجاوز عرضه متر ونصف المتر وهو ما يشكل ثلث طول السلم فقط، ثم يتم رفع سلم آخر إليه يضعه على حافة السلم الأول وينزل بهدوء إلى الجانب التركي ويراقب الوضع بهدوء، ثم يبدأ الناس بالصعود على سلم من الطرف السوري والنزول على آخر من الطرف التركي ثم السير على السلم الأفقي بهدوء من فوق الخندق.
“من بين كل 10 محاولات تنجح محاولة أو اثنتان في أحسن الظروف” يقول أحد المهربين، “لا مجال أمامنا سوى تكرار المحاولة، كنا في السابق نعتمد على مبدأ أساسي وهو إيصال من يريد إلى تركيا، أما الآن فيكفي أن نحافظ عليه حياً والنجاح في المرور يبقى من شأن القدر”.
بعد تجاوز الجدار والوصول بأمان إلى الطريق الرئيسي بين أنطاكيا وريفها يكون السوريون قد قطعوا ثلثي المشوار، أما الثلث الباقي فيكمن في كيفية الوصول إلى مدينة أنطاكيا سالمين دون أن يتم القبض عليهم من قبل الجندرما التي تنتشر بكثافة على هذا الطريق للقبض على من تصفهم بـ (المتسللين غير الشرعيين).
حسان كنجو