كلّنا تبرأ من الأخطاء التي ارتُكبت في عفرين، الجميع جلد الثورة والثوار، الأمهات في عيدهن، والصحفيون والناشطون والكتاب والتجار والعمال وصغار الكسبة والعاطلون عن العمل. حتى الأطفال تبرّؤوا من تلك الأخطاء، المتوازنون قالوا أن السارقين شوهوا ما حدث من نصر ثم اختفوا، ليتركوا عبء أفعالهم على رقاب الشرفاء، أما السواد الأعظم فقد انتقد الثورة في جوهرها، ذلك أن الفعل مكرر ومتوقع، أكثر الغاضبين قارن الحال بأيام سيطرة عفرين على القرى العربية في الشمال السوري، ودخول قسد إلى الرقة ومنبج ودير الزور، والتجاوزات التي ارتكبت هناك، بعضهم قارن ذلك الفعل بتعفيش جيش الأسد، وكأن لا فارق أحدثته الثورة في النسيج السوري، فالاختلاف هنا موسوم بالخنادق، أما السلوك البشري فهو هو، أينا حللت ونزلت.
ربما لم يسعفنا الوقت لبناء جيل جديد بمفاهيم جديدة، أو حتى إصلاح ما يمكن إصلاحه على صعيد البناء الشخصي. الفارق الصغير الذي أحدثته الثورة يكمن في بعض (الإنصاف). فالأصوات التي علَت في الأيام الأخيرة، وإن كانت غير مجدية أو كافية، ولكنها على الأقل كانت أصواتاً لرفض الخطأ أيّاً كان مصدره وخندقه. هي تلك الأصوات التي تمترست حول حقها في الكلام الغائب في مناطق أخرى بخنادق مختلفة، لم نسمع أن ناشطي وصحفي ومدنيي المناطق التي تسيطر عليها “قسد” قد دعت إلى ثورة على رجالاتها لإيقاف الظلم، أو محاسبة المخطئين، الأمر ذاته ما حوّل الشبيحة بقذارتهم إلى دفاع وطني، والتركيز هنا على كلمة وطني يعني أن نلحقهم بياء نسبة إلى الوطن، الوطن الذي لا يعني “كومة من التراب” بل شخوص بأخلاق وحضارة وقشعريرة النشيد والانتماء.
الغريب في الأمر، أن محطّات إعلامية كبرى، وجرائد ومواقع الكترونية لدول غربية وأوروبية وعربية، وصفحات لقسد ونظام الأسد، تداولت تلك الصور للسرقات التي نالت المدنيين، ومقاطع الفيديو التي صورها ناشطينا مع أهالي عفرين للحديث عن الأخطاء المرتكبة، كوصمة عار على جبين الثورة، ونسيت في المقابل أنه ولولا أولئك الناشطون لما استطاعوا الحصول على مادتهم الخام تلك، ولولا صوت الحرية الذي تجذر في نفوس ثورتنا لما كان لأحد أن يقف على تلك الأخطاء، ولطمست معالمه على الأقل، وبات تداوله خبراً بغير مصادر. هم تجاهلوا كل تلك الأصوات التي حاسبت مرتكبي فعل خاطئ، لحساب صور مكررة لا تزيد على 20 صورة. وأهملوا كل الصور التي قام بها الشرفاء سواء لمساعدة الأهالي او لحماية ممتلكاتهم أو على الأقل للكتابة على الجدران ما يحفظ ماء وجه حريتهم.
ليس غريباً ما حدث من تجاهل، فهم قبلاً تجاهلوا أصوات النازحين في المخيمات، واللافتات على جدران حلب المهجّرة قسراً، وأبناء الغوطة ومقتلتهم اليوم. نحن المستهدفين اليوم من قبل العالم، نحاول أن نثبت لهم أننا على حق، وعليه يجب أن نعترف بأخطائنا ليشاركوها ويقتلونا.
كلنا، سواء الذين نقدوا و شتموا السارقين أم الذين حاولوا التخفيف من حجم الخطأ مع إدراكهم لعدم صوابه، أبناء ثورة الحرية والكرامة، أمام أنفسنا التي تشعر بالعجز لما يحدث، وجدنا صدى لأصواتنا، وهذا تأكيد من جديد على صوابية خندقنا، لنكرر مرة أخرى، الفارق هنا بين أن تقف مع قضية عادلة وتحاول إصلاح أخطاءها أو أن تقف مع القتلة وتحاول تبرير جرائمهم.