الصورة من احتفالية ريف حلب الغربي بعيد الثورة -خاص فوكس حلب
إن تجاوزنا الحديث عن مبادئ الثورة السورية الأساسية التي باتت إلى حدّ ما، مكرورة ومعروفة للعالم أجمع، دون تمثلّها داخلياً، أو الوقوف على أحقيتها خارجياً. ثم حاولنا بكل ما نمتلك من قسوة أن لا نقف عند اليأس الذي رافق الثورة خلال السنتين الأخيرتين، والذي تعاظم في الفترة الأخيرة ليخلق حالة من اللامبالاة، حتى على الصعيد اللفظي، لما يجري من أحداث دامية. خاصة ما ترافق مع عيد الثورة السابع من عمليات قتل وتدمير وتهجير لأهل الغوطة الشرقية المحاصرة منذ أربع سنوات، فيغدو الحديث عن 900 قتيل في الغوطة حدثاً اعتيادياً يُكمل معه الناس حياتهم اليومية، والسياسيون يأسهم وتحليلاتهم، والناشطون وجهات نظرهم وتباكيهم، وتصدير العجز على صفحاتهم، تمثلاً لفكرة الشفافية والعجز وجلد الذات. والبحث عن شمّاعة نعلّق عليها كل ما حدث، وما يمكن أن يحدث.
مر ّ يوم 15 آذار هذا العام بطيئاً على غير العادة، في انتظار ما يمكن أن يُقال في هذا اليوم، خلَت معظم الصفحات من الكلمات المواتية للحدث. آخرون اكتفوا بمقالات رأي حول إن كان الأسد قد انتصر فعلاً على ثورة الشعب، أما المتفائلون فقد صدّروا لنا، كعادتهم، التأكيد على رحيل الأسد، فالطغاة لا ينتصرون.
الشارع السوري في المناطق المحررة أراد وبحق إحياء تلك المناسبة، حاول جاهداً من خلال تجمعات ومظاهرات خجولة أن يخبرنا أن الثورة ما زالت مستمرة. وذيّل خطابه، عن غير قصد، بلافتات نعَتْ المجتمع الدولي وصمته، ووقفت مع أبناء الغوطة في موتهم، إلّا أنهم أيضاً وبغير قصد صدّروا لنا حالة من اليأس، حين لم يُفلحوا بمداراة ما يحدث، لتقف لافتات من مثل (أوقفوا القتال بين الفصائل)، أو تلك التي تدعو إلى إخراج ركب الثورة من الإسلاموية، وتصدّر الحركات الجهادية لها. بل وفي بعض الأحيان وُصفت ب “الاحتلال”، والدعوة إلى الحرية والديمقراطية، وفي ذلك، بشكل وبآخر، شراكة بين نظام الأسد وبين الفصائل على قتل الثورة في نفوس أهلها.
الصورة للافتات المرفوعة في احتفالية ريف حلب الغربي بعيد الثورة السابع -خاص فوكس حلب
خطاب آخر نشأ عند “الإنسانيين” من الناشطين، حول ما يحدث في عفرين، وكيف يتصدر حدث كالسيطرة عليها على فقدان مناطق شاسعة في معظم الأرض السورية، لتبدأ اتهامات البيع والاتفاقيات بين القوى الإقليمية المسيطرة على الواقع السوري، وهذا إن دلّ على شيء، فهو يشير إلى إفراغ الثورة من محتواها. فلم يعد أصحاب الثورة، إن صح التعبير، يجدون أنفسهم جزء من المشكلة القائمة والحلّ القادم، بل اكتفوا بالمراقبة والجلد والتنظير من أماكنهم على صفحات الفيس بوك.
أمّا أن ثوار حي القدم وعائلاتهم، إبان عيد الثورة، قد عادوا أدراجهم بعد أن رُفض دخولهم إلى مدينة الباب في الريف الشرقي لحلب، بحجة “عدم التنسيق”، فتلك تقسيمات مناطقية جديدة ستطغى لاحقاً على المشهد السوري الذي بات منقسماً داخلياً أكثر من أي وقت مضى، دون الحاجة للتذكير بعودة أهالي حي الوعر إلى “حضن الوطن” خلال السنة الماضية.
الصور لحافلات ثوار حي القدم بعد عودتهم إلى قلعة المضيق إثر رفض مدينة الباب استقبالهم
الحقيقة، أنّ علينا في بداية السنة الثامنة أن نتخلى عن فكرة “السبع السمان” التي لا بدّ أن تأتي ردّاً على “سبع عجاف”، ذاك أن المشهد كان مختلفاً، فيوسف هناك كان قد أعدّ العدّة، وخزن القمح في سنبله. علينا أن نعي أن لا حلول سياسية ستنهي نظام الأسد القائم، لا جينيف ولا آستانه ولا غيرها، فالنظام، منذ البداية، أدرك أن لا حلّ للثورة في سوريا إلّا بالقوة، وتجلّى ذلك بالغطرسة التي رافقت مندوب الأسد في تلك المؤتمرات بعد “انتصاراتهم” الأخيرة. علينا أن لا نجدد البيعة للثورة بمفهومها القائم، وأن نستفيد من كسر الحالة الصنمية التي عشناها لأربعين عاماً أيام حكم الأسد، حين انطلقت أولى المظاهرات. لنثور هذه المرة على أنفسنا، ونوجهها نحو إنصاف قضيتنا العادلة لا جلدها، وتصحيح الأخطاء لا انتقادها، وتبرير هروبنا مرة أخرى، وإلصاق التهم بالعسكرة والتجهيل والجهل والبساطة والجري وراء لقمة العيش.