“نبحث عن كسرة خبز وكأننا محاصرين منذ سنوات”، لا يسكن عبد الحميد علوش في الغوطة الشرقية المحاصرة، ولا يتحدث عن ذاكرته في حلب التي هجّر منها منذ سنتين، بل يسكن في ضاحية الكهرباء القريبة من قرية كفرناها في ريف حلب الغربي، بعد أن قطّعت جميع الطرقات الواصلة إلى القرية، إثر الاشتباكات الجارية حتى الآن بين هيئة تحرير الشام وجبهة تحرير سوريا المعارضتين.
ويروي عبد الحميد أن القصف طال أماكن كثيرة في القرية من بيوت ومساجد بأسلحة (الدوشكا وال 23) ، بالإضافة إلى قصف بالحشوات المتفجرة، كما تم إلزام الأهالي بالبقاء في منازلهم ، فالقصف العشوائي لا يميز بين مدني وعسكري وبيت أو مسجد.
بينما يروي محمد الرجب الذي يسكن في بلدة دارة عزة في الريف الغربي لحلب “أن الاشتباكات بدأت ظهر يوم الثلاثاء الماضي 20/2/2018،بعد وصول رتل من هيئة تحرير الشام من قرية صلوة القريبة، وتمركزه على الحواجز في البلدة من طرف الأشرفية والحاجز الجنوبي للقرية.
يكمل محمد “الاشتباكات بدأت من طريق مطعم الكنج، وجرى الاشتباك بين الهيئة والجبهة بكافة أنواع الأسلحة، بالإضافة إلى قذائف الهاون، والدبابة المتمركزة على أحد الحواجز في منطقة سكن المدنيين”، الأمر الذي دفع الأهالي إلى الخروج بمظاهرة لوقف الاقتتال، ونقل الدبابة من مكانها خشية على المدنيين.
وكانت المعارك قد تواصلت بين هيئة تحرير الشام وجبهة تحرير سوريا -التي أُعلن عن تشكيلها مساء يوم الأحد 18/2/2018، والتي ضمت حركة نور الدين الزنكي وحركة أحرار الشام بقيادة حسن صوفان قائد حركة أحرار الشام- لليوم الثالث على التوالي، وشملت معظم مناطق الريف الغربي لحلب وأجزاء من محافظة إدلب.
نقابة محامي حلب الأحرار أول الضحايا
قال نقيب محامي حلب الأحرار حميدي حاج حميدي، لفوكس حلب “إن مجموعة مسلحة تابعة لهيئة تحرير الشام أقدمت يوم أمس الأربعاء على مداهمة مقر النقابة بقوة السلاح، واعتدت على المحامين الموجودين في المقر، واستولت على أجهزة الحاسوب الموجودة. كما أنزلت أعلام الثورة وأحرقتها في مقر النقابة”.
و بعد ساعات من المداهمة الأولى، عاودت مجموعة أخرى تابعة للهيئة اقتحام مقر النقابة وإفراغه من كافة محتوياته، إذ عدّته “غنائم لها” بما في ذلك أرشيف المحامين وثبوتياتهم وعمل النقابة منذ بداية الثورة حتى الآن، على الرغم من إيضاح المحامين لهم، أن النقابة مستقلة ولا تتبع لأي طرف، على حد قول أحد المحامين الذي شهدوا عملية الاقتحام.
جبهة تحرير سوريا تتقدم
تفيد الأخبار المتداولة عن سير المعارك عن تقدم جبهة تحرير سوريا وسيطرتها على كامل قرى جبل شحشبو، الواقع في الجزء الغربي الشمالي من حماه، والذي يمثل امتداداً لجبل الزاوية في محافظة إدلب الذي يشهد اقتتالاً في عدد من قراه، بالإضافة إلى سيطرة الجبهة على بعض قرى الريف الجنوبي من إدلب، وأجزاء من معرة النعمان ، والسيطرة على مدينة أريحا بعد انسحاب هيئة تحرير الشام منها.
وكانت هيئة تحرير الشام قد اتهمت حركة الزنكي بالحصول على دعم خارجي لمحاربة الهيئة، كما اتهمتها باغتيالات قادات في صفوفها وشرعيين يتبعون لها.
قرى محايدة
حيّدت بعض القرى في ريف حلب الغربي (أرضها وأبناءها) عن المشاركة في الاقتتال الحاصل، كـ (بسراطون والسحارة وبابكة). واتفقت الفصائل العسكرية والمجالس المحلية في تلك القرى على تحييد قراهم تماماً، وعدم السماح لأي من أبنائهم بالمشاركة في أي اقتتال، على الرغم من انتساب عدد كبير من أبناء هذه القرى للفريقين المقتتلين، كما اتفقوا على منع أي فصيل من المرور في قراهم، أو استخدام أراضيهم لقتال الفصائل الأخرى. ودعوا باقي القرى لتحصين قراهم ومنع أبنائهم من الاقتتال الداخلي وتوزيع الجهود لقتال نظام الأسد.
آراء في سبب الخلاف
يرجع الكثير من الناشطين السياسيين في المنطقة أسباب الاقتتال إلى شعور هيئة تحرير الشام بالخطر، خاصة بعد التوحد الأخير بين حركتي الزنكي وأحرار الشام والذي يجعل من الجبهة الوليدة عن الاندماج “تحرير سوريا” أكبر فصيل عسكري في المنطقة ، وعلى الرغم من إعلان الجبهة أنها لا تسعى للتفرد بقرار الثورة أو تمثيلها السياسي، ودعوتها بقية الفصائل للانضمام إليهما لتكون درعا للشعب. إلّا أن الهيئة ، بحسب ناشطين، رأت في التشكيل الجديد تهديداً لها بسبب الخلافات والتوتر الحاصل منذ أشهر، والذي وصل لحد اقتتال بين “هيئة تحرير الشام” من جهة وحركة نور الدين الزنكي وحركة أحرار الشام الإسلامية من جهة أخرى.
في ما يرجع محمد زلخا -ناشط مدني من مدينة الأتارب- السبب إلى تسابق كلا الفريقين للسيطرة على زمام الأمور في المنطقة، ليصبح الجهة الوحيدة التي تمتلك القرار، خاصة مع اقتراب فتح الطريق بين ريفي حلب الشمالي والغربي، بعد معارك غصن الزيتون التي تخوضها فصائل الشمال بالتعاون مع الجيش التركي في عفرين.
وعدّ محمد حداد (أورم الكبرى) ما يحدث جريمة بحق الثورة وأهالي المنطقة، للسيطرة على الشعب والأرض وفرض الإرادة على مداخل ومخارج المناطق المحررة.