لم يكن “ماسلو” يملك “راوتراً” حين وضع الأمن والطعام في مقدمة ما يحتاج له الإنسان، بحسب هرمه، وأعتقد أنه لم يكن متابعاً لمباريات كرة القدم المشفرة على موقع “كورة”، ولم يكن مشجعاً لريال مدريد أو برشلونه محيداً نفسه عن هذا العداء التاريخي، كما لم يكن مهووساً ب “كلاش رويال” ولا ب “المزرعة السعيدة”.
فمع بداية معركة غصن الزيتون التي تخوضها تركيا وفصائل من الجيش الحر في منطقة عفرين، وعلى الرغم من سخونة الأحداث، والقذائف المتساقطة هنا وهناك، بالإضافة إلى تقدم نظام الأسد في ريفي حلب وإدلب الجنوبيان واستهدافها للمناطق السكنية في القرى والبلدات المحيطة، يبقى غياب الانترنيت الفضائي بعد انقطاعه عن المناطق المحررة في سوريا الحدث الأكثر أهمية عند معظم الناس في هذه المناطق، وبات الحديث عن عودته وانقطاعه الأكثر تداولاً، أما البحث عن حلول بديلة فهو الشغل الشاغل لمراكز الانترنيت.
يمضي محمد عبوش في منطقة اعزاز سبع ساعات يومياً على الأقل على صفحات التواصل الاجتماعي، فهو “مدمن انترنيت” كما يقول، بعد أن أصبح جهاز الهاتف عبر تطبيقاته الوسيلة الوحيدة للتواصل مع الأهل والأصدقاء الذين توزعوا في مناطق جغرافية كثيرة داخل البلاد وخارجها. يشعر عبوش بالملل منذ قطع الانترنيت عن المدينة، فلعبة “كلاش رويال” التي أدمن عليها تحتاج إلى تطوير، وعمالها ينتظرون الأوامر بالعمل، وجيوشها تحتاج إلى شحذ الهمم وخوض المعارك.
يحاول يوسف المصطفى تحميل أغنية “فوق النخل يا سليمى” وهو يستمع إليها بصوت نجيب السراج، إلّا أن قطع الانترنيت حال دون ذلك، “في البداية ظننت أن المشكلة من عندي، بعدها عرفت بقطع الانترنيت، فاستسلمت، وتمتعت بما سمعته منها أثناء التحميل”.
ويرى أبو إبراهيم صاحب محل لصيانة وبيع الأجهزة الخلوية، أن الانترنيت بات أكثر أهمية من الطعام والشراب، فعمله في الصيانة يحتاج إلى انترنيت بسرعة عالية لتنزيل التطبيقات والبرامج الجديدة، إلّا أنه يجد في “النوم باكراً” الإيجابية الوحيدة لانقطاعه.
انتبه علي الحمد لوجود جيران جدد يسكنون بالقرب منه، وأتاح له قطع الانترنيت التعرف عليهم على الرغم من مضي سنة على سكنهم مقابل بيته، فعلي كان يعيش في العالم الافتراضي منذ استيقاظه وحتى نومه. بينما وجد إسماعيل العيسى في قطع الانترنيت فرصة للتهرب من عمله في إحدى المنظمات الإنسانية، “فرحت جداً لأن الانترنيت انقطع، وتكلمت مع المنظمة أن العمل جاهز ولا أستطيع رفعه، وهذا ما أعطاني فرصة لأكمل عملي براحة”.
يقطع محمد المحيميد أكثر من عشرة كيلومترات ليصل إلى صالة تعرض مباريات فريق ريال مدريد الذي يشجعه بسبب فقدان الانترنيت، ماعدا ذلك لا يهتم المحيميد لوجود الانترنيت أو غيابه، فيما يندم إبراهيم أبو سيف على عدم تحميل أي لعبة على جهازه يكسر بها حالة الملل والتوتر التي رافقته منذ قطع الانترنيت، وغيابه عن معرفة ما يحصل في العالم وأخبار المعارك الدائرة.
أبو علي كان سعيداً جداً بقطع الانترنيت، فلم تفلح كل محاولاته السابقة مع أصدقائه بإقناعهم بتبادل الحديث والسهر دون “طنين الواتس آب والفيس بوك”، على الرغم من تعليقه للافتة كتب عليها “ادخل بحذائك واشلح جهازك على الباب”. بعد قطع الانترنيت “استطعنا هذه المرة أن نتحدث، كنا نشتاق إلينا، على الرغم من وجودنا معاً في كل يوم”.