يحاول عزام أبو محمد من نازحي قرية سنجار تغطية خيمته بعازل استطاع – بعد أن أسعفه الحظ – الحصول عليه من إحدى المنظمات الإنسانية، ليمنع ماء المطر من الدخول عبر شقوق الخيمة المهترئة التي شهدت معه خمس حالات نزوح خلال الأشهر الأخيرة.
“لم ننم ليلة البارحة بسبب مياه المطر التي ملأت أرض الخيمة وفراش أطفالنا”، يقول عزام الذي أشار إلى خيمة مجاورة له قضى أهلها ليلتهم، وهم يحاولون نقل المياه المتسربة إلى خارج الخيمة.
عائلة أبي محمد واحدة من 65840 عائلة نزحت إلى الريف الشمالي لمحافظة إدلب، بعد أن سيطرت قوات الأسد منذ بداية عام 2018 على عشرات القرى في ريف إدلب الجنوبي وحماه الشرقي، بحسب إحصائية منسقي الاستجابة في شمال سوريا، التي أظهرت أكبر حركة نزوح منذ بداية الثورة السورية، بواقع 373252 شخصاً ثلثيهم من الأطفال، توزعوا على 447 نقطة استقرار معظمها مخيمات عشوائية، في ظل ضعف الاستجابة من قبل المنظمات الإنسانية، وعجز المؤسسات العاملة في المنطقة على تلبية احتياجات النازحين.
يعيش أبو محمد في خيمته منذ شهرين، ولم تصله حتى الآن أي مساعدة تذكر من أحد، على حد قوله، باستثناء عازل وبطانية حصل عليهما أخيراً، فلم يعد الطعام والشراب أولوية، واقتصرت أحلام النازحين على عازل يقيهم المطر، بعد أن بات الحصول على خيمة جديدة حلماً صعب المنال.
في الصورة مخيم عشوائي غرب دارة عزة في ريف حلب الغربي – تصوير: جودت قرطل.
عثمان الخضر أحد الموظفين في منظمة “بيبول انييد”، قال لفوكس حلب “إن النزوح كان مفاجئاً وبأعداد هائلة، وكانت استجابة المنظمات الإنسانية مقبولة، حيث استطاعت تغطية 60% من النازحين بالاحتياجات الأساسية”، تضمنت الخدمات التي قدمتها المنظمات، بحسب كلامه، على “خيام ونقود وسلال غذائية وأخرى للنظافة، كما قام الدفاع المدني بتأمين أرضيات للمخيمات وفتح الطرقات للوصول إليها”.
نفقت معظم أغنام أبي محمد (مصدر الرزق الذي يعتاش منه) نتيجة البرد والتنقل، وتراجع سعرها نتيجة غياب الطلب عليها، وغلاء العلف اللازم لإطعامها “بطعمي ولادي ولا بطعم الغنم” فلا “غاز ولا مازوت ولا حطب للتدفئة ولا خيام للناس فكيف سنؤمن الدفء والطعام للأغنام”.
يجمع الصغار في المخيم العشوائي الذي بني على أرض مستأجرة في قرية أطمه (التي تتبع لناحية الدانا في محافظة إدلب) أكياس النايلون والأشواك، لتشغيل المدفئة “التي تأكل كل شيء”، بحسب الصغير احمد 13 عاماً، الذي قال إنه يمضي معظم ساعات النهار في البحث عن غذاء للمدفئة لينعم أخوته الصغار ببعض الدفء.
الناشط سارية مشعل من أهالي قرية أطمه، قال “إن هناك بعض الأهالي فتحوا بيوتهم للنازحين مجاناً، وقدموا لهم الأراضي ليبنوا خيامهم عليها، وهناك من استغل حاجات الناس وقام بتأجير أرضه أو بيته لهم”، بينما أكد محمد الصالح أن ثمن الخيمة وصل إلى 400 دولاراً في الأيام الماضية، وأن أكثر من 400 عائلة توجهت إلى ناحية الزربة وسكنت المداجن والمباقر الموجودة هناك. من جهته قال الناشط عمر بيسكي من سكان قرية أطمه “إن الإيجارات تضاعفت بعد النزوح الأخير في المنطقة بشكل عام”، ونوه إلى استغلال التجار وأصحاب البيوت الظروف السيئة التي يعيشها الأهالي المهجرين من قراهم.
تنتظر أم محمد الليل “لقضاء حاجتها” فلا “مرحاض” في المكان الذي استوطنت فيه مع عدد من العائلات، بالقرب من مدينة سرمدا، “المكان مكشوف ولا تستطيع النساء قضاء حاجتها حتى يحل المساء، وعند الاضطرار تلف المرأة نفسها بشرشف أو حرام تجنباً لرؤيتها من قبل المارة والنازحين”.
جهز المجلس المحلي في ناحية حريتان (شمال غرب حلب)250 مسكناً للنازحين، وقام بالنشر على صفحات التواصل الاجتماعي لاستقطابهم مجاناً إلى الناحية، إلا أن 24 عائلة فقط وصلت إلى حريتان بحسب ياسر المصري رئيس المجلس.
وقال المصري “إن المجلس قدم للعائلات النازحة بيوتاً مجانية بالإضافة إلى الكهرباء والألبسة”، ولم يستطع تقديم الطعام والتدفئة مع غياب المنظمات الإنسانية في البلدة، الأمر الذي أكده رئيس المكتب الإغاثي في قرية كفر حمرة، فالريف الشمالي الغربي من مدينة حلب يخلو من أي تواجد للمنظمات الإنسانية، ولكن الأهالي في القرية قدموا ما يستطيعون للعائلات القليلة الني نزحت إليهم، كما تم تجهيز البيوت وتغذيتها بالكهرباء مجاناً لهم.
الصورة لمخيم عشوائي على الطريق الزراعي بين الدانا وقرية دير حسان في ريف ادلب الشمالي – تصوير: أحمد عزيزة.
المؤقتة والإنقاذ
في الوقت الذي غابت فيه الحكومة المؤقتة تماماً عن المأساة التي يعيشها النازحون، قامت حكومة الإنقاذ بتشكيل لجنة الاستجابة الطارئة بعد الاجتماع الوزاري مع رئيس الحكومة.
حسن درويش (المدير العام للإدارة العامة لشؤون المهجرين التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية في حكومة الإنقاذ) قال “قامت اللجنة بتوجيه فرق إحصاء متخصصة لإحصاء عدد النازحين، والوقوف على أهم احتياجاتهم، كما شكلت فرق توجيه لإرشاد الأهالي إلى مواقع مراكز الإيواء التي تم بناؤها مباشرة، ثم توزيعهم على المخيمات التي يتم إنشاؤها”.
وأضاف الدرويش “أن إدارة المهجرين قامت بتوزيع 2200 مسكناً – كانت موجودة لديها – على العائلات النازحة، و قامت بإنشاء تسع مخيمات بالتعاون مع المنظمات التي تفاعلت مع لجنة الاستجابة الطارئة، كما قدمت المعدات الهندسة ومعدات النقل وصهاريج المياه ومياه الشرب وتغطية بعض النفقات الأساسية اللازمة كالخيام والعوازل والبطانيات….”
وقامت اللجنة بتوزيع النازحين على أكثر من 800 نقطة تموضع، وأظهر سكان هذه النقاط تلاحماً قوياً بحيث استضافوا أكثر من 25000 عائلة، والتعاون مع اللجنة لامتصاص الصدمة من خلال “فتح البيوت وتقديم المساعدات واهم الاحتياجات” لأهلهم من النازحين، بحسب المدير العام لشؤون المهجرين.
بعد أن أكمل عزام أبو محمد تركيب العازل فوق خيمته، كان يتلقى التهاني من عائلات المخيم، فلن ينام اليوم في العراء.