تتزايد عمليات الاختفاء القسري التي يمارسها نظام الأسد بشكل واسع، منذ بداية الثورة السورية 2011 وحتى اليوم، مخلفاً الكثير من الآثار النفسية والاجتماعية السلبية على المعتقلين أنفسهم وعائلاتهم وذويهم، فيما يعتبر انتهاكاً لحقوق المدنيين، ويرقى إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية بحسب منظمة العفو الدولية.
ونظراً لأهمية معالجة هذه الآثار، والتعريف بالاختفاء القسري، أقام المعهد السوري للعدالة في الثالث عشر من تشرين الأول الحالي، ندوة للحديث عن الآثار النفسية والاجتماعية لذوي المعتقلين والمختفين قسرياً، وقال السيد عثمان خضر من المعهد السوري للعدالة “إن هذه الندوة التي تقام في مدينة الأتارب في الريف الغربي لمدينة حلب، تسعى لتسليط الضوء على حالات الاختفاء القسري المتزايدة، ومعالجة الآثار الناجمة عن هذه الحالات، حيث تم دعوة العديد من دوي المعتقلين والمختفين قسرياً وبعض الناشطين ووجهاء البلدة، بالإضافة إلى المجلس المحلي”.
الصورة من الندوة التي أقيمت في مدينة الأتارب – فوكس حلب.
وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان قد وثقت في تقرير لها في آب الماضي، 75 ألف حالة اختفاء قسري في مختلف المحافظات السورية، على مدى السنوات الست الماضية، 71533 منهم على يد قوات الأسد، بينهم 64214 مدنياً، منهم ملا يقل عن 4109 طفلاً، و1479 شخصاً على يد عناصر تنظيم الدولة، بينهم 118 طفلاً، و892 شخصاً على يد هيئة تحرير الشام، بينهم 41 طفلاً، و306 شخصاً على يد فصائل المعارضة المسلحة، بينهم 29 طفلاً، و 397 شخصاً على يد قوات سوريا الديمقراطية، بينهم 61 طفلاً.
وقالت الناشطة بسمة صبح، من المعهد السوري للعدالة والتي تعمل على توثيق انتهاكات حقوق الانسان “إن الندوة جاءت استكمالاً لندوات سابقة، لتوعية الناس وخاصة معتقلي ومعتقلات الثورة السورية، لتجاوز الانهيارات التي عانى منها هذا الشعب، نتيجة الحرب الدائرة والانتهاكات التي مارستها قوات الأسد، والتجاوزات التي ارتكبتها في مجال حقوق الإنسان، ولتعريف الناس بحقوقهم وواجباتهم، لبناء مجتمع صحي على الصعيد النفسي والاجتماعي”.
أقيمت الندوة في دار الأمل للاحتياجات الخاصة، في مدينة الأتارب، وقال المحامي زكريا أمينو، عضو فريق المعهد السوري للعدالة “محاضر الندوة”، “إن الندوة التي أقيمت، هي سلسلة متتالية لندوات قام بها المعهد سابقاً في مدينة حلب قبل سقوطها، ويجري استكمالها حالياً في الريف الغربي للمدينة، بعد التهجير القسري للأهالي من المدينة”.
تناولت الندوة “القواعد القانونية التي نص عليها القانون الدولي الإنساني، وتعريف الاختفاء القسري وفق القانون الدولي والسوري والمحكمة الجنائية الدولية، والتفريق بين هذه القوانين”، على حد قول المحامي، الذي أضاف “الندوة توعوية حوارية لدراسة الآثار السلبية والنفسية والاجتماعية للمعتقلين وزوجاتهم وأطفالهم”.
الصورة من الندوة التي أقيمت في مدينة الأتارب – فوكس حلب.
والاختفاء القسري هو الاحتجاز أو الاختطاف، على يد جهة تابعة لحكومة أو من خلال أشخاص يعملون بأمرتها، مع إنكار مصير المختطف ومكان وجوده، وهذا ما تعتبره المحكمة الجنائية الدولية، في المادة السابعة من نظام روما “جريمة ضد الإنسانية”، وتنص الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص في المادة الثانية منها على أنه “لا يجوز التذرع بأي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو التهديد باندلاع حرب، أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، أو بأية حالة استثناء أخرى، لتبرير الاختفاء القسري”، وتجرم الاتفاقية في المادة السابعة منها كل من يرتكب أو يوصي أو يحاول أو يتواطأ أو يشترك في ارتكاب جريمة الاختفاء القسري.
ولا يجوز بحسب القانون السوري المادة(108-109) من أصول المحاكمات الجنائية، أن يتأخر التحقيق مع الموقوف أكثر من 24 ساعة، وإلا اعتبر المسؤول مذنباً بمقتضى المادة (358)، ويكفل الدستور السوري الحالي في المادة 38 منه حرية المواطنين، حيث ينص على أن “الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم”.
ومن خلال هذا الاستعراض لمواد القانون يرى الرائد المهندس محمد الياسين، قيادي في الجيش الحر وأحد المشاركين في الندوة ” أن جميع حالات الاعتقال والاختفاء القسري التي قام بها نظام الأسد تعسفية، فلا يوجد أسباب لاعتقالهم، ولا أحد يعرف مصيرهم”، وأكد الرائد “إن معظم تلك الاعتقالات كانت بدون سبب، سوى أن بعضهم كان لهم أخوة أو أصدقاء طالبوا بالحرية والعدالة والمساواة”.