الصورة من مؤتمر أستانة 1 (انترنت)
صدر البيان الختامي لمؤتمر أستانة ٦ بإعلان كافة الأطراف رضاهم عن نتائج المؤتمر، وأُدرِجت محافظة إدلب مع مناطق محيطة بها في بعض أجزاء مجاورة من حلب وحماه واللاذقية، ضمن مناطق تخفيض التوتر، والتي كانت تشمل سابقاً ريف حمص الشمالي والغوطة وأخرى في الجنوب تحت شراكة أمريكية روسية.
خرجت الوفود من أستانة “5” الماضي بنجاح حققه الروس والنظام من خلفهم بتثبيت مناطق تخفيض للتوتر، مما منحهم فرصاً أكبر للتقدم في البادية السورية وفي دير الزور، بينما خرجت تركيا ومن خلفها قوات المعارضة متنازلة عن أمور كثيرة دون أن تحقق مكسباً حقيقياً واحداً.
أملت تركيا وما زالت تأمل، أن تجد في الروس حليفاً قوياً يساعدها على إعاقة هاجس قيام كيان كردي على حدودها الجنوبية مع سوريا، وكان اتفاق أستانة 5 قد نص على السعي لإيجاد مناطق تخفيض توتر بين قوات النظام وقوات المعارضة، للسماح بحل سياسي للقضية السورية، وكانت تركيا تسعى لأن تأخذ نفساً مع القوى المتحالفة معها في الشمال السوري للقدرة على تفكيك سعي الـ pyd للسيطرة على المناطق الحدودية مع تركيا، ودفعت المعارضة لوقف العمليات القتالية مع النظام في ريف حلب الشمالي، وكذلك ساهمت في علميات إجلاء السكان من حي الوعر في حمص، متأملة بموقف حازم من الروس تجاه الـ pyd في غربي الفرات، وذلك الحزم يتطلب أيضاً تنسيقاً مع الأمريكان داعمي الـ pyd.
إلا أن الروس بعد إحقاق مناطق خفض التوتر في الرابع من نيسان في ريف حمص الشمالي والغوطة، نسقت مع الأمريكان من أجل خفض منطقة توتر جديدة في الجنوب، ولم تُطرح المصلحة التركية على الطاولة، فالـ pyd ما زال يسيطر على منبج وعفرين والريف المحيط بهما في غربي الفرات، وبات القوة الممثلة على الأرض في مواجهة داعش وبالتالي السيطرة على الرقة، وحذر قوات النظام التي تتقدم نحو في منطقة دير الزور من العبور للطرف الآخر من النهر، محدداً سيادة النظام في تلك المنطقة، وكانت تركيا قد أحست بالفشل الدبلوماسي الذي ألم بها في آستانة السابق، وعدم قدرتها على الإيفاء بالتزاماتها تجاه حلفائها في المعارضة، لذلك شددت هذه المرة على أنها لن تسمح بأي حال من الأحوال بأي ترحيل للسكان من المناطق الجنوبية، وستسعى لإيجاد وقف شامل لإطلاق النار، كما أنها قررت الدخول إلى آستانة بموقف واضح، فقد حشدت آلاف الجنود الأتراك والسوريين في الجيش الحر من أجل عملية سيف الفرات، المقرر أن تكون موجهة ضد قوات الحماية الكردية في عفرين، كذلك أصرت على بقاء المعارضة السورية في إدلب، وبدأت فعلياً بتدريبات وتنسيقات لدعم إنشاء جيش وطني تكون مهمته مواجهة جبهة النصرة في إدلب بتغطية جوية تركية روسية.
إيران خرجت من أستانة 5 مصممة على سياساتها السابقة في الاستمرار في العمليات العسكرية، فهي لا تسعى مثل روسيا لإيجاد حل سياسي يحقق تثبيت مصالحها، ويبقي على النظام أو جزء منه فعالاً في السلطة، وإنما تسعى بشكل رئيسي للسيطرة على مناطق جغرافية أكبر، تؤهلها عبر اللعب بالديمغرافيا بما يتناسب مع ضمان ولاء إيديولوجي ضمن سكان تلك المناطق، ولذلك تتقبل إيران الحلول الروسية على مضض، يظهره جلياً عمليات الترحيل التي حصلت في الوعر على سبيل المثال تحت الرعاية الروسية، وفي الزبداني ومضايا تحت الرعاية الإيرانية، ففي الأولى تمكن بعض من سكان الوعر من العودة إلى بيوتهم، أما في الثانية فالأمر مختلف تماماً، ورغم مناطق إعلان محيط دمشق منطقة تخفيض للتوتر، فإن الاشتباكات اليومية حسب تصريحات قادة في فيلق الرحمن ما زالت مستمرة، وفي كل منطقة تتواجد فيها الميليشيات الإيرانية أو الميليشيات والكتائب العسكرية القريبة منها تستمر العمليات العسكرية في رغبة واضحة من الإيرانيين لتثبيط اتفاقية تخفيض التصعيد، وخاصة بعد إبعاده تماماً عن جنوب سوريا، ولا تخفي إيران رغبتها في الاستمرار في العلميات القتالية، بل إن مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين جابري أنصاري قال أنه يأمل بأن نجاح العلميات القتالية سيساعد في تسريع عمليات التفاوض، مشيراً للتقدم الذي يحققه النظام في دير الزور، وبشكل غير مباشر لعمليات عسكرية ما زالت مستمرة على أطراف جوبر بين النظام وقوات المعارضة.
روسيا ما زالت الأقوى عسكرياً ودبلوماسياً في سوريا، فقد تمكنت من خلال مرتمرات أستانة تحسين العلاقات مع تركيا بعد توترها إثر حادثة إسقاط الطائرة، وباتت العلاقات الاقتصادية الروسية التركية في تصاعد، مما يصعّب انفصال المسارات في الوضع السوري، ونسقت في الجنوب مع الولايات المتحدة التي ما زالت إلى اليوم تترك اليد الروسية عليا فيما يحصل في سوريا، وتمكنت من خلال مناطق التخفيض تلك أن تتفرغ للقتال في منطقة دير الزور، مانعة بذلك تمدداً أمريكياً في تلك المنطقة من خلال قوات الـ pyd التي باتت على مقربة من نهاية عمليات الرقة، ومن قوات عربية أخرى كانت الولايات المتحدة تدربها للعمليات القتالية ضد داعش، وباتت اليوم على مقربة من ضفة الفرات، وعلى تماس مباشر مع حلفاء الولايات المتحدة، الأمر الذي يتطلب تنسيقاً أكبر بين الطرفين، مما يمنح الروس موقعاً أفضل على المستوى التعاطي مع الولايات المتحدة، لكن ذلك لا يلغي الإنهاك الاقتصادي الذي يعانيه الروس من جراء تكاليف الحرب على الشعب السوري، الذي لا يبدو بشكل جلي حتى الآن، لكن بحث الروس عن حل سريع (متوافق مع إرادتها) في كواليس اللقاءات مع قوى معارضة، واستخدامها أنواع متقدمة من الأسلحة لإنهاء معارك النظام بشكل أسرع، كما حصل مع استخدام صواريخ كاليبر في معارك دير الزور، يظهر الرغبة الروسية بالتوجه إلى تخفيض شامل، يخفف من عبء الالتزام بحماية نظام الديكتاتور المنهار، والتحول بشكل تام للأروقة السياسية، ولكن ضمن الرؤية الروسية للحل السياسي، وهذا ما أشار إليه المبعوث الروسي لسوريا ألكسندر لافرنتييف بقوله “ندعو المعارضة عن التخلي عن المواقف التي لا يمكن تنفيذها”.
يبدو أن مؤتمر الأستانة انتهى إلى قرار بقتال النصرة وتكلفة الجيش الحر مع تركيا في قتالها في إدلب، وإبقاء إدلب تحت سيطرة الثوار، وتفرغ النظام بشكل أكبر لقتال داعش في دير الزور، وقلق لقوات الحماية في الشرق، بعد أن تصبح خدماته للنظام منتهية الصلاحية، وكذلك في الغرب بعد تفرغ الأتراك ومن معهم من الجيش الحر لمواجهتها، ولكن في الوقت نفسه ما زال الدعم الأمريكي مجدياً لحد لا بأس به، أما على مستوى وفدي النظام والمعارضة فحضورهما من عدمه لم يكن مؤثراً.
رعد أطلي