سمى العرب الأيام الثلاثة بعد عيد الأضحى المبارك بأيام التشريق وذلك لأنهم كانوا يشرقون اللحم “يقددوه ويعرضوه للشمس” ليطيلوا عمره نظراً لكثرته وقت الأضاحي.
أمام فرن حجري في جبل الزاوية جنوب غرب مدينة ادلب، تجمع العشرات من الناس يحملون أكياسهم السوداء المليئة بلحم الأضاحي، لصناعة “الصفيحة، لحم بعجين”، بعضهم لم يسعفه الحظ في الوصول إلى دور، آخرون كان موعدهم في الحادية عشرة مساء، وسعيد الحظ من استطاع أن يحصل على دور قبل صلاة العشاء.
على “ماكينة الفرم” وقف أبو خالد وقد وضع كمامة على وجهه قال بـ”إنها تساعده في الحد من رائحة اللحم الذي بدأ بالتعفن والعطب”، حاملاً القليل من اللحم بيده الذي بدأ يتصبغ باللون الأسود كدليل على كلامه.
أما أحمد البكري صاحب الفرن قال بـ “إنه لم يستطع الذهاب إلى البيت منذ بداية العيد، فالأضاحي وفيرة، ولا يوجد طريقة لحفظ اللحوم، ما أدى إلى ذلك الزحام الشديد”، مضيفاً “إن هذا الأمر لا يجدي، فالكثير من الطعام سوف ينتهي الأمر به في سلة المهملات، فالصفيحة أيضاً لا تقاوم التعفن لأكثر من يوم واحد”.
وحول طريقة حفظ اللحم من الفساد قال أحمد البكري “قبلاً كان الناس يعرضون اللحم لأشعة الشمس ويشرقونه ويضعون عليه الملح ليحافظوا عليه، أو يطبخونه على النار –يحمسونه- ويضعوه في أوعية محكمة الإغلاق لتفريغه من الهواء، وتعتبر هذه الطريقة الأفضل للحفاظ عليه لمدة شهر على الأقل”.
السيدة أم علي، قالت “إنها تلجأ في أغلب الأحيان ونظراً لانقطاع الكهرباء، لاستخدام العلاقة للحفاظ على طعامها -والعلاقة هي ربط وعاء الطعام بمنديل وتعليقها بحلقة وسط البيت لتعريضها للهواء- كما أنها تلجأ إلى حفرة في الأرض بعد تنظيفها وتغطيتها بقشور الذرة لوضع الحبوب فيها لتبقى طازجة”.
الصورة لاجهزة كهربائية تحولت إلى خردة بعد غياب الكهرباء.
تتحسر أم علي “على أيام زمان حين كانت تطبخ طعاماً يكفي لعشرة أشخاص”، ولكن الكهرباء الغائبة إلا من خلال الأمبير الذي “حرق لها موتورين براد” جعلها تطبخ في كل يوم كمية قليلة خلافاً لعادات أهل الريف، وغالباً ما تطبخ “مرتين في اليوم، فنحن في الأرياف نتعشى طبخ”.
وعلى سطح منزله يضع غسان أبو محمد “طبخة اليبرق” على خزان الماء الحجري ليضع فوقها سلة من البلاستيك، وحجرة كبيرة لمنع “القطط” من الوصول إليها ضاحكاً، وهو يقول “يعني يا بتخرب يا بياكلوها القطط”.
الصورة لآلية حفظ الطعام على اسطح المنازل في جبل الزاوية والحجارة لمنع القطط من الوصول إليه.
أما أم محمد فقد أعادت دهان خزانتها القديمة “الشَعْريّة” باللون الأزرق وأصلحت “الغربول” الذي يحميها من الحشرات، “هي الشعرية من جهاز عرسي، بعد ما صار عنا براد ما عدت استخدمتا وصرت حط فيها الكراكيب”، ومواكبة للمثل القائل “الي مالو قديم مالو جديد” أعاد معظم أهالي جبل الزاوية إصلاح “الشعرية” لاستخدامها في حفظ الطعام من الجديد.
في الصورة ” النملية او الشَعْريّة” تعود إلى بيوت جبل الزاوية لحفظ الطعام.
الصورة لشَعْريّة من احد المنازل في جبل الزاوية.
لم يخل الحديث عن طرق الحفاظ على الطعام من نكتة أبناء الريف المتوارثة فبعد أن غابت الكهرباء حوّل الكثير منهم “الثلاجات” إلى “خزانة يضعون فيها الملابس”، وباتت حزورة “مين الي اخترع الكهربا، أديسون، ومين الي طفاها بشار” هي الحزورة الأكثر تداولاً بين الأطفال، في حين ترفع الأمهات أيديهم إلى السماء بالدعاء عليه.