يعتبر الطعام أحد أركان العيد الأساسية، خاصة عيد الأضحى في مدينة حلب وريفها الذي تشّرب هذه العادات، نتيجة الاختلاط بعادات أهل المدينة وموروثها الاجتماعي، فكانت “السفرجلية والسماقية واللبنية” تتصدر بيوتات حلب، لتغدوا جزء من ذاكرة العيد، وضرورة لا يكاد يخلو بيت من وجودها، حيث يساهم لحم الأضاحي في تمكين جميع البيوت حتى الفقيرة منها من صناعة هذه الأطباق.
وعلى الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة، وتغير الكثير من العادات المتوارثة، وانزياح هذه “الطبخات” لصالح الحلويات والسكاكر وكعك العيد، ما زال كثير من بيوت الريف الحلبي وخاصة البيوت الكبيرة “كبير العائلة” تحافظ على هذا التقليد.
وتعتبر السفرجلية هي الأكلة الأكثر شهرة في مدينة حلب وريفها، خاصة في المناسبات الدينية والاجتماعية، وعلى رأسها عيد الأضحى، إذ ارتبطت هذه الأكلة في الغالب بهذه المناسبة الدينية، وذلك لتوافر لحم الأضاحي والسفرجل في الأسواق، تقول السيدة فاطمة أم محمد “منستنى عيد الأضحى لأطبخ سفرجلية وبيلتموا كل ولادي واحفادي وبياكلوا منا، ومنمون السفرجل لهي المناسبة بالذات”
وعن طريقة صناعة السفرجلية، تحدثنا أم محمد ” بداية أمسح حبات السفرجل بقماشة مبللة بالماء لمسح الوبر الموجود على قشرتها، ثم أقطعها إلى قطع كبيرة، وأضعها في ماء أذيب فيه ملح الليمون ليحافظ السفرجل على لونه خلال عملية الطبخ، وأدق كمية مناسبة من الثوم اليابس مع النعناع المطحون والملح، واخلطه جيداً، أضع المزيج في طنجرة مع قطع السفرجل وكمية من دبس الرمان وكمية من اللحم المقطع بحجم قطع السفرجل، ثم أضعها على النار حتى الغليان، وبعدها أضعها على نار هادئة لمدة ساعتين، ثم أتأكد من سواء اللحم وقطع السفرجل وتصبح جاهزة للأكل” وتضيف أم محمد “كثير من البيوت تخلت عن طبخ السفرجلية، نظراً لغلاء الأسعار وفقدان مادة السفرجل من الأسواق، ولكني لا أعرف عيداً بلا السفرجلية”، وتغنت أم محمد بطبخة السفرجلية خاصتها ” كان للسفرجلية التي أطبخها صيتاً في المدينة، وكان الناس يقولون روحوا على بيت أم محمد كلوا سفرجلية الدهن للركب”.
الصورة لطبخة السفرجلية من سفرات الريف الشمالي لمدينة حلب.
وللكبة اللبنية شهرة لا تقل عن السفرجلية ولكنها تأتي في المرتبة الثانية من حيث الانتشار، فقد كان المطبخ الحلبي يقدمها في أول أيام شهر رمضان المبارك، أما في الأعياد فالكبة اللبنية هي من أشهر الأطباق، تقول الحجة زهرة “الكبة بلبنية أكلة مشهورة بحلب، وكانوا يقولوا فيها الأمثال والأغاني”.
تدندن لنا الحجة زهرة مقطعاً من أغنية قديمة عن الكبة اللبنية “
عالكبة اللبنية قلبي هف بالخشوقة بغرف غرف
بشلح توبي وبضرب كف وبقع بدستها سبحاني”
وعن طريقة إعدادها، تخبرنا الحجة زهرة ” منغسل البرغل ومنصفيه من الماء ومنتركو نص ساعة، ومنطحن البرغل واللحم والبصلة بماكينة الكبة ثلاث مرات، ومنقلي بصل ناعم بالزيت ليدبل، ومنضيف اللحمة والبصل والبهار الفلفل الأسود والملح والدهنة، ومنحرك اللحمة لتستوي ومنعمل الكبة دعابيل منحشيها باللحمة،
بعدا منجهز اللبن ومنحركوا منيح بعد ما نصفيه، ومنحطوا على نار وسط ومنحركوا ليعقد ومنحط الكبة لتستوي”.
وعن استمرار هذه العادة في عيد الأضحى، قالت الحجة زهرة ” ما عادت موجودة إلا ببيوت قليلة، لبن الغنم مو موجود واذا انوجد غالي واللحمة غالية”.
استبدل الكثير من أهالي الريف الحلبي هذه “الطبخات” ب “طبخات” قريبة من حيث الشكل والطعم، وبكلفة مادية أقل، مع المحافظة على صناعة طعام العيد، حيث استبدلوها “بالأرز والبرغل وحامض الباذنجان أو البطاطا او البامية”.
الصورة لطبخة الحامض مع الرز من سفرات الريف الشمالي لمدينة حلب.
أما في محافظة إدلب، فقد اندثرت هذه العادات منذ سنوات كثيرة حيث كانت “الفريكة باللحم والارز” الطبق الأهم في زيارات العيد، تقول أم مصطفى “كنا نطبخ فريكة ولحم وندبح خاروف ونحط على وجها، نمد السفرة بالبيت، وكل حدا يجي عايدنا لازم يعدي عالغرفة ياكل ولو لقمة، وبعدا يروح على غرفة الضيوف ليعايدنا” وعن سبب اندثارها، يقول الأستاذ محمد عبد المنعم “دخلت المدنية في كثير من العادات والتقاليد، بالإضافة إلى أن سكان القرى قد زاد عددهم، وأصبح إعداد الطعام يشكل عبئاً مالياً كبيراً، فتحول الناس إلى الحلويات والكعك والسكاكر، وفي بعض الأحيان الرز بحليب، وبات من النادر أن ترى عادة الطبخ إلا في بيوت قليلة من كبار السن”.
عادة الطعام في الأعياد امتازت بها مناطقنا في المدن والأرياف، وكانت تعبر عن لحمة اجتماعية كبيرة، يتساوى فيها الفقير والغني، وتمثل حالة من المسامحة وتصفية القلوب.
هذا ما رصدناه من طعام العيد في ريف حلب الشرقي والشمالي، أخبرونا عن أكلات جديدة ما زالت مرتبطة بالذاكرة وطريقة تحضيرها كيلا تندثر هذه العادات الجميلة؟