في سباق محموم للسيطرة على الرقة ومحيطها تزداد العلاقات توتراً بين قوات النظام السوري، وقوات سوريا الديمقراطية، ففي الوقت الذي سيطرت فيها قوات النظام على مدينة السخنة الاستراتيجية بالكامل، واقترابها من السيطرة على مدينة معدان، تمكنت قوات سوريا الديمقراطية من السيطرة على ما يقارب 55% من مدينة الرقة، وهذه السيطرة لم تمر دون فاجعة حلت بالمدنيين، فحسب مرصد حرمون وقع في الأسبوع الثاني من آب 330 قتيلاً، 64 % منهم من الضحايا المدنيين الذين سقط معظمهم في معارك داعش مع الطرفين السابقي الذكر، وتتخذ هذه المنافسة مناح أخرى في مناطق التماس بين النظام وقوات سوريا الديمقراطية.
خريطة توزع القوى المسيطرة في سوريا – المصدر :موقع syria.liveuamap.com
رغم الحديث الذي ساد في بدايات الثورة والذي أكدته الأحداث فيما بعد عن اتفاق سري بين جماعة قنديل (حزب العمال الكردستاني) ونظام الأسد، حول السماح للأول بالسيطرة على المناطق ذات الأغلبية الكردية في سوريا، والعمل على تحييدها وإبعادها عن الثورة، فإن المشروعين لكل من الطرفين لا بد من أن يتناقضا في مرحلة من المراحل، فمشروع النظام هو الحفاظ على السلطة المركزية الاستبدادية، أما مشروع ال ب ك ك أو ال ب ي د “سوياً”، فهو تشكيل إقليم مستقل تماماً وقد يكون مرتبط شكلياً بالدولة السورية، أو بالأحرى مجموعة مناطق تسكنها غالبية كردية في سوريا (كوباني، عفرين، الحسكة) تقوم بالسيطرة عليه بشكل كامل ومقصية حتى الأطراف الكردية الأخرى لتخلق توازناً مع سلطة التيار السياسي التقليدي الكردي في كردستان العراق، وساحة صراع خلفية لمعركتها الرئيسية في تركيا، وكان النظام قد دعم قائد الحزب عبد الله أوجلان المقرب من حافظ الأسد، ومنح الحزب قواعد تدريب في البقاع والنشابية حول دمشق وغيرها، وفي عام 2011 شهدت المناطق الكردية قمعاً لمظاهراتها في الثورة واعتقال نشطاء الكرد على يد قوات الحماية الكردية نيابة عن نظام الأسد.
عند اجتياح قوات النظام قرى الريف الشمالي في عام 2015 وسيطرته على عدة قرى وفك الحصار عن قريتي نبل والزهراء، قامت قوات الحماية الكردية باجتياح قرى محررة جنوب وغرب عفرين بحجة حمايتها من دخول النظام إليها وهي ذات غالبية عربية مثل تل رفعت والشيخ عيسى، كما كان لها دور كبير في إطباق النظام سيطرته على حلب من خلال رصد طريق الكاستيلو، تزامن ذلك مع دعمها من قبل طيران الولايات المتحدة في معاركها ضد داعش والذي سهل لها السيطرة على معبر تل أبيض ضمن خطة سعت من خلالها لوصل كوباني مع الحسكة، إلا أن الأتراك رفضوا ذلك ودعموا بدورهم فصائل من الجيش الحر، وعلى رأسها الفصائل التركمانية للسيطرة على مدينة جرابلس غرب الفرات، وبدأت المقولات حول غرب وشرق الفرات تبدو أكثر تبلوراً على طريق توزيع النفوذ.
الصورة تعبيرية من إحدى جبهات الجيش الحر في الشمال السوري (انترنت).
في غرب الفرات تسيطر الآن قوات الحماية على منبج وعفرين والقرى التابعة لها، وتل رفعت والشيخ عيسى، ولكن تحركاً تركياً جدياً ضدها لم يبدأ إلا بعد أن بدأت قواتها تسيطر بشكل أكبر على مدينة الرقة، وكأن الأمر خاضع لصفقة ما حول الرقة وشرق الفرات، وفي إطار ذلك بدأت العلاقات تتوتر بين النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية، صنيعة قوات الحماية، وأخذ هذا التوتر طابعا دمويا في بعض الأحيان كما حدث منذ شهور مضت في مدينة الحسكة، إلا أن النظام ما زال يدعمها بوسائل مختلفة من خلال الاستمرار في دفع رواتب الموظفين في مناطق “الإدراة الذاتية”، وحتى في عمليات التدريب والإمداد بالسلاح كما بينت وثائق مسربة نشرتها مؤخراً وسائل إعلام، وتشكل عفرين اليوم تحت سيطرة الإدارة الذاتية سداً بين طرفي مناطق سيطرة الثوار في إدلب وريف حلب الغربي وريف حلب الشمالي، حيث تضع عراقيل عديدة في الحركة الإنسانية، فتأخذ ترانزيت عبور يقارب 2000 ل.س للشخص الواحد، ولا تسمح لهم بدخول سياراتهم، وإنما عن طريق سيارات خاصة بالإدارة الذاتية وتأخذ أجوراً مقابل عملية التوصيل تصل لـ 1000 ليرة سورية، وتمنعهم من الدخول لعفرين أو الوقوف فيها حيث ترافق السيارات العابرة سيارات تابعة لقوات الحماية، وتفرض ضرائب على نقل المواد الغذائية بين إدلب واعزاز ما بين 50000 -75000 ل.س، ولا تسمح لمقاتلي الفصائل المعارضة بالمرور نهائياً من عفرين، وبعد التقدم الذي تحقق في الرقة، بدأت القوات التركية بقصف مناطق عفرين بالمدفعية من داخل حدودها، وتحرك الجيش الحر في ما يسمى غرفة أهل الديار في معارك جديدة على جبهات تل رفعت والشيخ عيسى، مع ترافق خروج مظاهرات من قبل أهالي القرى التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية تطالب الفصائل المعارضة بطرد قوات سوريا الديمقراطية منها، وصرحت صحيفة يني شفق المقربة من الحكومة التركية أن أنقرة رفعت جاهزية 25 ألف مقاتل في مناطق درع الفرات، وأرسلت تعزيزات عسكرية من عربات مصفحة وأسلحة خفيفة وترقب عن كثب مناطق تل رفعت وتل أبيض ومنبج التي سيطرت عليها القوات الكردية بمساعدة الولايات المتحدة في ظل أنباء عن عملية عسكرية مرتقبة في تلك المناطق حسب الصحيفة.
من جهة أخرى تشهد عفرين ظهوراً لحساسية بين النظام وقوات سوريا الديمقراطية، فالنظام يسعى لأن يكون البديل المسيطر على مناطق غرب الفرات عن الـ ب ي د بدل الفصائل المعارضة، في حين ترفض القوات الكدرية ذلك، وتأتي هذه الحساسيات نتيجة خلافات بدأت تتوضح في رفض النظام لسيطرة قوات الحماية الكردية على حيي الشيخ مقصود وبني زيد في مدينة حلب، ومن ثم راحت قوات الحماية تقوم ببعض الإجراءات التي تؤكد استقلاليتها في إدراة مناطقها من خلال فرض لوحات جديدة خاصة بالإدراة الذاتية للسيارات التي تريد دخول عفرين أو المرور بها تصل إلى 700 ألف ليرة سورية، مما دفع إلى إغلاق المعابر بين الطرفين، ناهيك عن أن ال ب ي د يشهد رفضاً كردياً له من خلال المجلس الوطني الكردي الذي ينطوي خلافهما الرئيسي على محاولة ال ب ي د التفرد في حكم المناطق الكردية، فجاءت إداناته كلها ضد اعتقال واختطاف وإقصاء الناشطين والأحزاب الكردية التي لا تنضوي تحته، في حين لم يدن المجلس الوطني الكردي أي عملية لتهجير العرب من مناطق في الحسكة وغيرها، والتي تحدثت عنها منظمة العفو الدولية.
بات أمر غرب الفرات داخل عملية الحسم، والصراع الرئيسي هنا بين فصائل المعارضة وقوات النظام على تناهش المناطق التي يسيطر عليها الكرد، ولكن ماذا سيحل بعفرين هذا أمر ما زال غير واضح، وعفرين الآن تحوي مئات الآلاف من أهلها واللاجئين إليها من الكرد والعرب الذين كان معظمهم قبل أن تسيطر قوات الحماية الكردية عليها وتطلب من النازحين إليها ورقة كفيل من مواطن يريد أن يجد مأمنا في منطقة أخرى من مناطق وطنه، هل ستكون عفرين ضمن صفقة التبادل مع الرقة، أم أنها ستبقى تحت وصاية قوات الحماية، وهل ستسيطر القوى المعارضة على مناطق سيطرة ال ب ي د حالياً، أم أنه سيسلمها كما سابقاً لقوات النظام السوري؟.