ساهمت حركات النزوح المتواصلة للسوريين نحو المناطق الأكثر أمنا في زيادة الاكتظاظ السكاني لبعض المدن والقرى، بالإضافة إلى انخفاض قيمة الليرة السورية وانعدام فرص العمل وغلاء الأسعار، كل هذه العوامل أدت إلى ارتفاع أسعار وإيجار العقارات في هذه المناطق إلى نقطة يعتبرها المستأجرون خيالية، بينما يعتبر أصحاب هذه العقارات أن ريع بيوتهم لا يكفيهم أبسط الاحتياجات الحياتية.
وللوقوف على أسعار العقارات في الداخل السوري أجرى مراسل فوكس حلب هذا التحقيق في مدينة اعزاز الحدودية مع تركيا (خمسة كيلومترات) والتي تعتبر من المناطق الأكثر أمنا في الريف الشمالي لمدينة حلب، وكانت منذ بداية الثورة تمثل وجهة سكن وعمل للكثير من النازحين من القرى المجاورات وحتى من المحافظة نفسها خصوصاً بعد سيطرة قوات الأسد في نهاية العام الماضي على المدينة، كما أنها تعتبر المكان الذي تعمل به معظم المنظمات الانسانية ويتوزع فيها ما يقارب تسعة مخيمات للنازحين السوريين، حيث يقدر عدد سكانها اليوم ب 250000 نسمة بعد أن كانت في عام 2004 مركز الاحصاء السوري ب 36000 نسمة.
يحاول حسين كنو صاحب أحد المكاتب العقارية في مدينة اعزاز منذ أربعة سنوات أن يقسّم الزمن إلى مرحلتين بالنسبة لأسعار البيوت أو إيجارها، المرحلة الأولى هي ما قبل بدء عمليات درع الفرات الأخيرة وتحرير مدينة الباب وقرى الريف الشرقي المتصل بمدينة اعزاز حيث يرى كنو أن “هذه الفترة كانت عمليات بيع العقارات فيها شبه معدومة في حين كان الجميع يسعى للاستئجار في مدينة اعزاز، حتى غدا الحصول على بيت فارغ في المدينة أمراً بالغ الصعوبة” ويبلغ إيجار الشقة الواحدة المؤلفة من غرفتين أو ثلاثة بين (200/250 دولار شهرياً) وهو ما يعادل ثلاثة اضعاف متوسط دخل الفرد في المدينة.
عن هذه المرحلة يؤكد لنا أبو محمد لديه “خمسة أطفال” وأحد النازحين في الطرف الشمالي من المدينة أنه يدفع “100 دولار” شهرياً من دخله مع أبنائه الذي لا يصل إلى 150 دولاراً كثمن لإيجار منزله، وأنه مضطر للبقاء في مكانه لأن باقي القرى لا تتوفر فيها اية فرصة للعمل .
وعن سبب غلاء الأسعار يقول عبدالقادر لمراسل فوكس حلب وهو مالك أحد البيوت “ليس لي مصدر رزق سوى هذا البيت الذي أقوم بتأجيره، المية دولار ما عادت تشتري شي، كيلو البندورة ب 500، كيلو اللحمة ب 10000، من وين بدنا نعيش”
بينما يعزي المحامي محمد عبد الرزاق غلاء الإيجار في هذه المرحلة ، إلى زيادة الطلب ففي اعزاز ما يقارب 1500 شقة والباحثين عن شقق للايجار يتجاوز 10000 عائلة من النازحين، إضافة إلى غلاء مواد البناء والاصلاحات التي يجب على صاحب البيت أن يدفع ثمنها، كما ساهم وجود موظفي المؤسسات الإغاثية والانسانية والخدمية في هذه المنطقة ” الذين يقبضون بالدولار” في زيادة الأسعار، ويضيف أحمد أحد المستأجرين واب لثلاثة اولاد سبباً آخر وهو وجود النازحين العراقيين الذين يملكون المال ولا مانع لديهم من استئجار البيوت بأسعار مرتفعة.
أما المرحلة الثانية فبحسب حسين كنو هي ما بعد تحرير مدينة الباب وما حولها من قرى الريف الشرقي من يد تنظيم الدولة ما أدى إلى هجرة عكسية للكثير من النازحين الذين قدموا إلى اعزاز في السابق ليعودوا إلى قراهم الأصلية التي هربوا منها نتيجة الاشتباكات أو ليبحث بعضهم وخاصة اهل المدينة عن مناطق يكون فيها إيجار البيوت أقل من اعزاز بعد أن أرهقتهم المبالغ التي يدفعونها.
ويقول كنو أن في هذه الأيام تنشط في مدينة اعزاز حركة البيع والشراء حيث يتراوح سعر المتر المربع في الأحياء الغربية من مدينة اعزاز على حسب قوله بين “150-200 دولار” وفي الشرقية بين “70-100 دولار” بينما تراجعت حركة الإيجار بما يعادل 80% عن السابق،
فصرت تجد في المكاتب العقارية بيوتاً كثيرة للإيجار” أنا عندي خمس بيوت حالياً للإيجار صرلون فترة وما حدا أخدون”.
وعلى الرغم من تراجع الاكتظاظ السكاني في المدينة و توقف الطلب إلا أن إيجار البيوت ما زال على حاله، إلا في حالات نادرة.
توجه النازحين نحو المناطق الجديدة وخاصة بعد معاهدة خفض التوتر أدى إلى رفع أسعار البيوت في القرى والمناطق الجديدة المحررة من تنظيم الدولة، حيث ارتفع ايجار البيت في مدينة الباب من 40 دولاراً وحتى 200 دولار بينما ارتفع في قرية جبرين بحسب أحمد أحد الذين أرادوا العودة إلى بيته الذي كان ب 30 دولار ولكنه فوجئ بأن صاحب البيت يطلب 150 دولاراً.
الكثير من النازحين الذين لا يملكون دفع مثل هذه المبالغ ونتيجة لغياب فرص العمل افترشوا بخيامهم البساتين المجاورة للمخيمات في مدينة اعزاز، ليجدوا حلاً بديلاً رغم الظروف المناخية القاسية وغياب الخدمات الاساسية من ماء وكهرباء وصرف صحي.