لا يمكن قياس الدور الإعلامي في بلد ما بمعزل عن الثقافة العامة. كما لا يمكن إغفال دور الإعلام في خلق سياسة الانحياز والتأثير، أي صناعة رأي عام في قضية ما، ومن ثم تصديره إلى باقي مناطق العالم لخلق وسيلة ضغط للتغيير الفكري والسياسي والوقوف إلى جانب القضايا التي باتت حالة عامة تُعنى بها كل الشعوب على اختلاف مناطقهم وانتماءاتها، سيما إن كانت تندرج تحت بنود كالإنسانية أو جرائم الحرب أو الإبادة الجماعية.
شهدت الأحداث الأخيرة في مدينة حلب تجاهلاً عاماً على كافة الأصعدة، إذ كان هناك غياب واضح للإعلام العالمي بشكل عام والعربي بشكل خاص، يرافقه تجاهل في الموقف السياسي والعسكري. واكتفى العالم بمشاهدة صورة نقلها ناشطون محليون، رغم أن المدينة كانت تعاني من حملة تدمير وإبادة عامة. بحسب عبد الناصر أحد سكان حلب فإن “هناك تقصيراً واضحاً في تغطية أحداث المدينة وغياب للإعلاميين ووكالات الأخبار الأجنبية والدولية. لم نر إلا الإعلاميين الشباب ولاد حارتنا الذين استطاعوا بامكانياتهم القليلة نقل جزء من معاناتنا”.
كان للإعلام دور هام وكبير في الثورة السورية وفي تغطية الأحداث والقضايا الإنسانية والوقوف على حجم القتل والدمار الذي شهدته سوريا بشكل عام منذ بداية الثورة، وحلب بشكل خاص وما عانته من تدمير وقتل وتهجير، وتضم حلب ما لا يقل عن 300 إعلامي نصفهم يتنقل بين المدينة وريفها رغم الصعوبات والاستهداف والقتل، وينقل هؤلاء الاعلاميون جزءاً من معاناة الأهالي في المدينة مسلطين الضوء على جرائم النظام وحلفائه، وينتمون لمؤسسات محلية حملت على عاتقها رسالة الوقوف بالصورة والكلمة والصوت، ومنهم من يعمل بشكل مستقل أو لدى وكالات وقنوات عربية وعالمية.
يؤكد عبد الناصر: “لم نعد نتابع الأخبار الدولية ولم يعد يهمنا الأمر فكلهم كاذبون، نحن نعرف أن المجتمع الدولي يقف ضد ثورتنا ومعاناتنا، ولذلك نعتمد على صفحات الناشطين والمصورين على الأرض فهم أكثر مصداقية وأقرب لما نعيشه”.
الإعلام والحياد
أحمد العلي الذي يعمل صيدلي في مستوصف بمدينة حلب يقول : صار هناك وعي عند الناس، فلم تعد الأخبار الكاذبة تغريهم ولا الإشاعات، صار لديهم حساسية للأخبار التي تظهر وكأنها تظهرهم كحالة مبكية لا كأصحاب حق، وصرنا نرى انحياز القنوات الإعلامية حتى -المحسوبة علينا- إلى مصالحها ورأيها السياسي، أليس من الضروري أن يقوم اتحاد الإعلاميين في مدينة حلب، والذي أعلن تشكله عام 2013 وضم مئات الصحفيين والناشطين الإعلاميين، بتوعية الناس وإشراكهم في الحرب الإعلامية التي لا تقل أهمية عن الحرب العسكرية على جبهات القتال، وربما يكون للإعلام التأثير الأكبر في هذه المرحلة من خلال نقل المعاناة وحجم الدمار الذي نعيشه.
يتابع أحمد العلي “عند انطلاق هاشتاغ حلب تحترق معظمنا لا يعرف معنى هاشتاغ حتى أنا لا أعرف ولم أبحث عن معناه ، كنا نرى أن الأمر بلا جدوى، وعندما بدأ التفاعل مع الهاشتاغ يزداد، صرنا نرى المظاهرات التي قامت في أكثر من بلد أوربي وعربي للوقوف إلى جانب مدينتنا، وما تتعرض له، صار الهاشتاغ حديث الشارع، وربما بدأنا نعرف أهمية الإعلام أكثر وأنه من الممكن أن يشكل أداة فعالة في حربنا من أجل نيل حريتنا”، وأضاف أحمد “بدأ الناس يستعيدون ثقتهم بدور الإعلام والإعلاميين الذين كان يُنظر لهم في السابق وكأنهم ينظرون إلى دمارنا وموتنا كمادة دسمة لصورهم وأخبارهم، ونحن بحاجة لإعلام صادق وكلنا رأينا الإعلامي هادي العبد الله كم كان متأثراً حين كان ينقل معاناة أحد الأهالي وهو ينتظر إخراج أطفاله من تحت الأنقاض”.
سألنا الإعلامي هادي العبد الله عمّا إذا كان على الإعلام أن يكون حيادياً، وهل على الإعلامي أن يتأثر وهو ينقل أخباره كما ظهرتَ وعلاماتُ الـتأثر واضحة عليه، وعن شعوره وهو ينقل معاناة أهل حلب.
يقول هادي إن “من المستحيل على الإعلامي الذي يغطي أحداث الثورة السورية أن يكون حيادياً، فلا يمكن للإعلامي أن يساوي بين الضحية والجلاد، فالإعلامي لا يستطيع أن يخرج عن كونه إنساناً، وبالتالي يتأثر ويبكي ربما يترك الكاميرا ويساعد في إسعاف جريح لأن حياته في خطر، لا يمكن أن يكون حيادياً، عليه أن يمتلك المصداقية، وهنا لا بد لنا من أن نفرق بين الحياد والمصداقية، يجب علينا أن نكون صادقين، فلا يمكن أن نكون حياديين ونحن نرى شلالاً من الدماء ونرى الأطفال والنساء تحت الأنقاض” وأضاف “كثيراً ما كنت أبكي وأشعر بالعجز لعدم قدرتي على فعل شيء أمام ما يحدث وأشعر بالخذلان من كل العالم لتركهم نساءنا وأطفالنا تحت الأنقاض”.
الصعوبات مستمرة ؟!
يعاني الإعلاميون صعوبات كثيرة في نقل الخبر وتصويره بالإضافة إلى صعوبة التنقل واستهداف الطائرات والكثير من المشاكل التي تعترضهم أثناء أداء عملهم من الأهالي والفصائل المسلحة على الأرض. وعند السؤال عما إذا تغيرت نظرة الناس للإعلاميين بعد الأحداث الأخيرة في حلب وخصوصاً بعد نجاح هاشتاغ حلب تحترق في الضغط على السياسة الدولية ونظام بشار الاسد، و هل تراجعت الصعوبات التي كان الإعلاميون يواجهونها قبل الأحداث الأخيرة؟ الناشط الإعلامي كرم المصري فاز بجائزة الحكام الخاصة في مسابقة اليابان الدولية للتصوير الصحفي، عن مجموعة من الصور تحت عنوان “حلب تحت الغارات الجوية”، إذ وثّق من خلال الصور التي التقطت عام 2015 القصف المكثّف بالبراميل المتفجرة والصواريخ التي شنتها “قوات الأسد” على كافة أحياء مدينة حلب، أجابنا كرم “بالتأكيد تغيرت نظرة الناس للإعلاميين بعد النجاح الذي حققه هاشتاغ حلب تحترق في نقل معاناة الأهالي وإيصال صوت الناس إلى كل أصقاع الأرض، واستطاعوا أن يربحوا المعركة الإعلامية حيث كان النظام يسعى إلى إظهار الناس في حلب على أنهم إرهابيون وعبارة عن متطرفين يقصفهم ويحاربهم، ونجح الإعلاميون في نقل الصورة الحقيقية على أنهم مدنيون وعزّل ولا ذنب لهم، ونتيجة لربحنا المعركة الإعلامية ضد النظام، استطعنا اكتساب احترام الناس، في حين تقلصت الصعوبات التي كنا نواجهها وتحولت النظرة إلى الإعلامي عند تغطيته لحدث ما أن هذا الشخص يستطيع إيصال صوتنا ومعاناتنا”.
بينما رأى لإعلامي حسن قطان من مركز حلب الإعلامي والذي يعد مؤسسة إعلامية ثورية تجمع عدداً من الصحفيين والناشطين الإعلاميين في المدينة بغية الارتقاء بإعلام الثورة والعمل على تحقيق أهدافها ، أن الصعوبات التي كان يواجهها الإعلاميون لم تتغير وقال: أعتقد أن الناس لم تتغير نظرتها، ونجاح الهاشتاغ حلب تحترق لم يؤثر فيهم، فالمجتمع المحلي لم يلمس هذا النجاح، ومن خلال ملامستي للمحيط الذي حولي لم أجد أن الناس على قناعة في قدرة المجتمع الدولي على مساعدتهم أو الوقوف إلى جانبهم وهذا الأمر لم يعد مهماً للناس في المدينة سواء تضامن معهم المجتمع الدولي أم لم يتضامن. وأضاف حسن “لا أعتقد أن الصعوبات التي يواجهها الإعلاميون تراجعت فهي ما زالت على حالها ودائماً ما نواجه الصعوبات ذاتها على صعيد الأهالي، ربما تراجعت الصعوبات التي كنا نواجهها من القادة العسكريين وأصحاب المؤسسات والمنظمات، فهؤلاء هم من تغير رأيهم تجاه الإعلاميين وشعروا بالدور الكبير الذي تلعبه وسائل الإعلام واصبح هناك تجاوب أكثر منهم عند إدراكهم أهمية الإعلام بشكل عام”.
يمثل الإعلام السلاح الأهم في العصر الحديث ويعتبر دوره في الحرب أكثر مضاء وقوة من الرصاصة، واستطاع الإعلاميون في مدينة حلب بالرغم من كل الصعوبات والتحديات التي تواجههم من تحقيق طفرة كبيرة بإمكانياتهم القليلة في كسب ثقة الشارع ونقل صوتهم إلى المجتمع المحلي والعربي والدولي.