إن الباحث في التاريخ الحلبي يقف عند حقائق مدهشة , لم يكن التداخل السوري بين القضية الدينية والقضية الاجتماعية يشكل عبئاً تاريخياً لما تمثّلته هذه المدينة من حالة دينية سوية وحالة ثقافية وفكرية متقدمة ولعل المجتمع الغربي ينظر إلى هذه المدينة التي حملت العبء الأكبر من أحداث الثورة السورية على أنها مدينة تجارية ذكورية بامتياز وأن العادات التي تحكمها حدّت من التقدم الاجتماعي الفكري في هذه المدينة ليطل علينا دي مستورا بضرورة اشراك المرأة في العملية السياسية الانتقالية في سوريا، وليصبح هذا الأمر تهكم على وسائل التواصل الاجتماعي بأن الحركات الاسلامية لن تقبل بذلك بل اختصروا الثورة السورية كاملة ربما متناسين أو متجاهلين دور المرأة المركزي في الثورة السورية منذ بداية المظاهرات الأولى وحتى اليوم .
بطاقة عضوية في المجلس الوطني السوري عام ١٩٦٥
حلب تلك المدينة التي ترتدي الطابع الديني الحقيقي والتي ضمت المئات من علماء الدين الذين أسهموا في بناء الحركة الاجتماعية وأعطوا المرأة حقوقها الإسلامية التي لا تتعارض مع توليها مناصب هامة في الدولة والمجتمع ألم تكن أول برلمانية دخلت المعترك السياسي في سوريا الاستاذة “عائشة الدباغ ” من مدينة حلب ، السيدة التي انكبت على الاغتذاء من منهل الأدب والفكر وأقرنتهما مع الإرادة الصلبة، للوصول إلى ما ترنو إليه.
انطلقت عائشة الدباغ من معين ديني رباني وتاريخ حضاري بعد أن أنهت دراستها للتاريخ في جامعة بيروت لتصدر مجلة ” العروة الوثقى ” وتكون رئيسة للتحرير فيها ثم تعود إلى مدينتها حلب لتعمل في التدريس والإدارة وتكمل دراستها للماجستير فتقدم رسالتها بعنوان (الحركة الفكرية في حلب في النصف الثاني من القرن العشرين)، مضيئة بذلك على مدينتها والحركة الفكرية التي انتعشت في الربع الثاني من القرن العشرين .
كانت عائشة الدباغ مناضلة من مناضلي مرحلة القهر والظلم ضد الانتداب الفرنسي قادت المظاهرات وتصدت بمقالاتها وحواراتها الصحفية للاحتلال وللأوضاع الاجتماعية السيئة والفساد.
ولدت عائشة الدباغ في حلب عام 1921 وحصلت بالإضافة على الماجستير في مادة التاريخ على دبلوم في التربية وعلم النفس وكانت العضو النسائي الأول في جمعية العاديات بحلب , ذهبت إلى كندا لتدرس في معهد الدراسات الإسلامية، وقد درست سنة واحدة ثم استدعيت إلى حلب وفي هذه السنة أنجزت بحثاً في التصوف عن ” رابعة العدوية “.
خلال هذه الفترة سافرت إلى واشنطن الولايات المتحدة الأمريكية، وحضرت جلسة مجلس الكونغرس الأمريكي، وزارة مكتبة الكونغرس، وكان هذا دأبها في الاطلاع على المكتبات والحصول على مراجع بحوثها, وكانت أول عضو نسائي في مجلس إدارة ” المركز الإسلامي “في مونتريال بكندا عام 1964-1965 و كانت المرأة الوحيدة فيه ودخلت مجلس الإدارة أول امرأة عربية ومسلمة وتبرعت بتعليم أبناء الجالية المسلمة والعربية اللغة العربية وحينها أسست مع مجموعة من الدارسين رابطة الصداقة السورية الكندية لأول مرة.
عادت بعدها إلى حلب مرة أخرى لتكون أول امرأة تنتخب كنائبة في مجلس الشعب عن مدينة حلب عام 1965-1966
لا أحد ينكر الخلفية الدينية التي نشأت فيها عائشة الدباغ والتي استطاعت أن تصل إلى تلك المراكز الهامة في الدولة والمجتمع وكانت من طوالع النساء اللواتي أسهمن في الحركة الثقافية والتنمية الفكرية والسياسية سابقة بذلك نساء عصرها ولتثبت للعالم أن الإسلام لا يتعارض مع حق المرأة سواء في الانتخاب أو الدخول في عالم الفكر والسياسة وغيرها من المجالات.
إن المجتمع السوري اليوم مليء بنساء قادرات على تحمل العبء والوقوف في المعترك السياسي كما وقفن مع الثورة منذ بدايتها ليحملن جنباً إلى جنب مع الرجال القضية السورية ومشعل التغيير والإصلاح والبناء .